مار أفرآم السريانى ( 303 – 373 م )
بلغت رتبة مار أفرآم السريانى فى كتابته للشعر والتأملات العميقة التى فيه لم يصلها أحد فى المسيحية لهذا اجمع المؤرخين واللاهوتيين على أنه اعظم من كتب القصيدة والترنيمة الدينية في الشرق المسيحي ، ولفصاحة لسانه وبلاغتة الأدبية وقداسة سيرته الروحية لقب بالقاب عديدة منها : قيثارة الروح القدس وشمس السريان ، وهو من القديسين المشهورين فى مصر بالرغم من أنه غير مصرى .
حيـــــــاته
ولد مار أفرآم السريانى سنة 303 م بمدينة نصيبين فيما بين النهرين وكان أبويه وثنيين في أيام الملك البار قسطنطين واتفق له أن اجتمع بالقديس يعقوب مطران نصيبين الذي وعظه وعلمه حقائق الإيمان المسيحي فأمن أفرأم علي يديه وتعمد منه ولبث عنده وأخذ في التعبد الزائد حتى فاق أهل زمانه وصار يجادل الأمميين ويتغلب عليهم بالنعمة التي فيه ولما اجتمع مجمع نيقية صحب معلمه مار يعقوب إلى هناك
, وتتلمذ مار أفرآم السريانى للقديس يعقوب أسقف نصيبين وحضر معه مجمع نيقية سنة 325 م وعندما سقطت نصيبين فى أيدى الفرس عام 337 م هرب منها مار أفرآم واستقر فى مدينة الرها حيث تتلمذ هناك على يد راهب شيخيسمى ماريوليان , ثم عمل مدرساً فى مدرسة الرها اللاهوتية الشهيرة وقد تبحر فى دراسة الكتب المقدسة وعلوم الكنيسة وكتب تفسيرات كثيرة لأسفار من الكتاب المقدس , وفى أثناء عمله بالتعليم بمدرسة الرها إنتشرت بدع كثيرة فقاوم هذه البدع التى كانت شائعة في ذاك الوقت وكانت هذه البدع تنشر تعاليمها من خلال أشعار تغنى وترنم فوجدت إنتشاراً بين الناس خاصة الشباب ولما كانت عنده موهبة شعرية وماهراً فى وضع نظمها كما أن خلفيته وثقافته أضفت على أشعارة نوعا من البساطه والعمق فعندما نظم هذه الأناشيد وجدها الناس عذبه سهله وشيقها وقد أحتوت أشعاره حقائق الإيمان الأرثوذكسى المستقيم ولقنها للفتيان والفتيات وكانت هذه وسيلة فعالة فى مقاومة آراء هؤلاء المبتدعين فى وسط الشعب .
مار أفرآم السريانى والقديس باسيليوس
---------------------------------------------
وحدث في أحد الأيام والقديس قائم في الصلاة أن رأي عمودا من نور ممتدا من الأرض إلى السماء فلما تعجب من ذلك سمع صوتا يقول له : " هذا الذي رأيته هو القديس باسيليوس أسقف قيصرية " وسمع مار أفرآم السريانى عن القديس باسيليوس الكبير فإجتذبته شهرته وقرر زيارة قيصرية كبادوكية لكي يرى ذلك الشخص الذى استعلن له فى حلم على هيئة عمود من نارممتد من الأرض إلى السماء .
فذهب مار أفرآم إلى قيصرية بصحبة مترجم ولما دخل إلى الكنيسة ووقف في زاوية منها وبعد أن إستمع إلى عظة القديس باسيليوس فرأي القديس باسيليوس وهو مرتد بدلته الكهنوت موشاة بالذهب ، فشك في قداسته فأراه الرب حمامة بيضاء حلت علي رأسه ثم ألهم الرب
القديس باسيليوس بوجود القديس أفرأم فأرسل القديس باسيليوس شماسه ليأتى إليه بمارأفرآم فاستدعاه باسمه فعجب الأنبا أفرأم كيف عرفه وسلما على بعضهما إذ أن االقديس باسيليوس عرفه بالروح وفى ماذا يفكر ؟ ففى نهاية القداس ولما التقيا تعانقا ثم خلع القديس باسيليوس ملابس الكهنوت الموشاة بالذهب والتى كان يقدس بها فظهرت ملابسة الحقيقية وهى مصنوعة من الخيش التى هى أفقر أنواع الأقمشة فى ذلك الوقت ويلبسها دائما الرهبان المتقشفين وأوضح للأنبا أفرآم أنه يلبس هذه الملابس العظيمة لكرامة الكهنوت .
وقد أراد القديس باسيليوس رسامة مار أفرآم السريانى قساً إلا أنه رفض فقام برسامته شماساً وأثناء الرسامة أعطى الروح القدس لكل منهما لسان ( لغة ) الآخر فصلى القديس باسيليوس بالسريانية ومارأفرآم باليونانية وقد شهد القديس باسيليوس فى كتباته أنه تعلم بعض أشياء مهمة ودقيقة من مار أفرام فى فهمه للوحى الإلهى وقد كانت حياته النسكية وزهده وتجرده من أهم الأسباب التى جعلت القديس باسيليوس يثق فى آرائه وتفسيراته
فضائل مار أفرآم السريانى
ثم رسمه القديس باسيليوس شماسا فزاد في نسكه وظهرت منه فضائل عظيمة تفوق الوصف . منها أن إحدى النساء المحتشمات استحت أن تعترف للقديس باسيليوس مشافهة . فكتبت خطاياها منذ صباها في قرطاس وأعطته القديس باسيليوس فلما تناوله وعرف ما فيه صلي من أجلها فابيض القرطاس إلا من خطية واحدة كانت عظيمة فبكت المرأة وتضرعت إليه أن يصلي عنها ليغفر لها الله خطيتها هذه فقال لها : " اذهبي إلى البرية حيث القديس أفرأم وهو يصلي من أجلك " فذهبت اليه وأعلمته بذلك فقال لها :" أنا رجل غير أهل لهذه الدرجة فعودي إلى القديس باسيلوس لأنه رئيس كهنة وأسرعي قبل خروجه من هذا العالم " . ولما رجعت المرأة وجدته قد تنيح وهو محمول علي رؤوس الكهنة فبكت وألقت القرطاس فوجدته قد صار أبيض .
وقد صنع القديس أفرأم آيات كثيرة و ، في أيامه ظهر ابن ديصان وكان كافرا فجادله هذا الأب حتى تغلب عليه وقد وضع مقالات وميامر كثيرة جدا ، ولما أكمل جهاده انتقل إلى الرب
مار أفرام فى مجمع نيقية 325 م
فى الربع الأول من القرن الرابع للميلاد كان أسقف "يعقوب" نصيبين الذي كان أحد المشاركين في مجمع نيقيا المنعقد سنة 325 للميلاد، وكان أقرب تلامذته اليه مار افرام السرياني صحبه معه ليشارق فى مقررات مجمع نيقية .
مار أفرام
وتتحدث سيرة مار أفرام، كيف أنه كتب تفسيرات وشروحات للأسفار التوراتية، والأناجيل، وأنه دعي من قبل يعقوب للتدريس في المدرسة المذكورة. وفي سنة 363 ، انتقلت نصيبين الى أيدي الفرس، ولهذا غادرها مار أفرام وانتقل الى " آمد" في منطقة " بيت كرماي" واصبح بدءا" من سنة 363 يعلم في مدرسة الرها، وقد سميت أيضا" بمدرسة الفرس بعد أن سلمّت مدينة نصيبين الى الفرس سنة 363. وتعّده بعض المصادر مؤسسا" لهذه المدرسة، وقد بقي مار أفرام في الرها حتى وفاته سنة 373 .
والأرجح أن مار أفرام علّم في مدرسة دينية ببلده الأصلي نصيبين وقد اعتبرته الروايات مؤسس مدرسة الرها. ولكن من المستبعد أن يكون هذا صحيحا"، فثمة رواية أقدم عهدا" وأوثق مضمونا" عن الزمن الذي عاشه مار أفرام في الرها، نجدها في شعر يعقوب السروجي، الذي توفي سنة 521م، فهو يكّرس قصيدة كاملة في مدح مار أفرام، وفيها يبرز مار أفرام باعتباره معلما" للنساء، يكتب لهن أناشيد خاصة لينشدنها. ومار أفرام يعد من أكبر شعراء الكنيسة القديمة في أية لغة، وهو لا يقل أهمية من حيث عمق لاهوته، وان كانت مقاربته لللاهوت تختلف بينّا" عن اللاهوتيين المعاصرين له، من أمثال أثناسيوس، او الآباء الكبادوقيين: باسيليوس، او غريغوريوس النازيانزي او النازانيزي.
وبديهي أن مار أفرام قد جمع من حوله على غرار برديعان ولوقيانوس، وديودورس، وثيودورس في أنطاكيا، حلقة من التلامذة. وقد بقيت لنا أسماء هؤلاء في وصية مار أفرام، التي يكون قد وضعها هو بنفسه أو أحد تلامذته.
زيارة مار أفرآم السريانى لبرارى مصر وأديرتها وشجرة مار أفرآم السريانى
وقد زار ما أفرآم البرارى المصرية وقضى فى أديرتها ثمانى سنوات إلا أن أخوتنا السوريين ينكرون هذه الزيارة إلا أن التقليد الكنسى فى أديرتنا القبطية يقول أنه توجد شجرة فى ديرالسريان من المتواتر أنها كانت عصا مار أفرآم السريانى وتخرج هذه الشجرة الغريبة نوعاً من الزهور يستخدمه رهبان الدير حتى الان فى صناعة مشروب لزوار الدير , ولا يوجد مثيل من نوع هذه الشجرة فى كل أرض مصر
وقد قيل ان القديس مارافرام أتى إلى برية شيهيت وقضى بها 8 سنوات فى القرن الرابع ، ومن فرط النسك الذى انهكه كان يتوكا على عكاز ( عصا ) فظنه رهبان الأسقيط انه يتشبه بالشيوخ ، وبحسب ما أشار إليه أبوه الروحى غرس عكازه هذا فى الأرض ، ولأن الله أراد اظهار بره وتقواه ، فقد نما هذا العكاز الجاف وأزهر كعصا هررن قديما وأصبحت شجرة ضخمة ، وهى من فصيلة التمر الهندى ويشرب الكثيرون من زهرها وثمرها كبركة .
ولقد مضى عليها أكثر من ستة عشر قرناً ، ومازالت بحيويتها وخضرتها.
وهى بخلاف شجرة الطاعة التى للأنبا يحنس القصير والتى كانت عند ديره ( ضمن الأديرة القديمة التى تخربت ) وكانت من النبق وقطعت منذ عهد قريب .
وتوجد للقديس افرام السريانى بكنيسة العذراء السريان أعلى مقصورة اجساد القديسين أيقونة اثرية يرجع تاريخها إلى عام 773 ا م يظهر بها القديس ممسكا بفرع شجرة مثَمر مكتوب بجوارها عكازه - الذى أورق وبيده شورية ويلبس ملابس شماس .
** وقيل أن القديس مارافرام السريانى كان يظهر فى الدير بين الحين والآخر ليشجع الأباء على الجهاد فقد قال أحد الأباء انه كان نائما فى الليل عند شجرة القديس أفرام فشعر بشخص يوقظه قائلا له قم اذهب إلى قلايتك لأننا نريد أن نصلى ، وكان هو القديس افرام السريانى .
أيضا رآه مرة ذاهب فامسك به قائلا من أنت وعندما شدد السوآل اجابه : أنا أفرام السريانى الله يباركك .
أيضا يذكر أن أحد الرهبان ذهب إلى الكنيسة ذات ليلة فوجد بابها مغلقا وصوت صلاة القديس بالداخل ولما فرغت الصلاة وفتح الباب رأى مجموعة منها ماهو نحيف ومنها الشيوخ . . بعدها لم يجدهم فقد كانوا الأباء السواح . .
** وقد سمعت من الأباء الشيرخ بالدير الكثير مثل هذه الأحاديث. فلكل دير قديسوه الذين يؤازرونه ويشجعون رهبانه على الجهاد فهناك صلة المحبة المستمرة بين الكنيسة المنتصرة فى السماء وكنيستنا المجاهدة على الأرض !
مار أفرآم والمجاعة
وفى عام 373 م حدثت مجاعة مهلكة شملت الرها كلها مما جعل مارفرآم يخلى نفسه من كل أعماله وتفرغ لإغاثة المنكوبين والمرضى فكان يطوف بدور الأغنياء ويجمع منهم الأموال لأجل إغاثتهم
قيثــــــــارة الروح القدس
وقد أطلق على مار أفرآم السريانى أسم قيثارة الروح القدس وسوف تلاحظ أنه كان فعلاُ قيثارة تغنى بها الروح القدس عندما تقرأ أقوال مار آفرأم عن الميلاد .
وقدأغنى مار أفرآم الكنيسة السريانية بأناشيده وقصائده التى بلغت من أهميتها درجة الكنيسة السريانية تستعملها فى خدماتها الطقسية قبل انتقاله وبلغت قصائده الشعرية بالسريانية إثنتي عشر ألفاً وقد ضاعت العديد من قصائدة وأشعاره إلا أن الذى بقى منها يشير غلى عمق فكر هذا الرجل وسوف تلاحظ أيها القارئ انه لم يكن رجلاً فلسفياً ولكنه حصل على روح الإنجيل ووظفه فى أشعاره وقصائدة وأهازيجه فوضع فيها كل أمور الإيمان المسيحى عن الثالوث والتجسد والبتولية والتوبة والكهنوت والرهبنة وما بعد الموت وبسبب كثرة مؤلفاته وتفاسيره وقصائده الدينية سمى " الملفان " أى " المعلم " والمفسر وسمى أيضاً " قيثارة الروح القدس " ونبى السريان وقد ترجمت بعض مؤلفاته إلى اليونانية قبل انتقاله ثم إلى مختلف اللغات فيما بعد وهو يعتبر من أعظم آباء الكنيسة السريانية وترجمت مؤلفاته لمختلف لغات العالم و تعد من روائع الادب المسيحي السوري
نيــــــــــاحته
------------
وفى يوم 9 يونيو عام 373م تنيح مار أفرآم فشيعته مدينة الرها كلها لأنه كان بمثابة الأب المحب لجميع الشعب
وتعيد له كنيستنا القبطية فى يوم 15 أبيب من أقوال مار أفرآم السريانى