|
| كيف عرفت ابويا | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: كيف عرفت ابويا الإثنين 30 أغسطس 2010, 9:20 am | |
|
[size=21]حدث ذات مساء أن انتابني شعور غريب عندما كنت اذرع الطرقات في حديقة منزلي. وكان الغسق قد بان في الأفق، وانتشر عبير الأزهار في كل مكان. لقد جرى شئ غريب فسألت نفسي: ماذا جرى حتى ارتعبت هكذا؟توقفت لحظة في مسيري وتطلعت حولي فشاهدت الخدام داخل المنزل يهيئون الطعام، ويوقدون الأضواء. أما أنا فما زلت في الحديقة اتلمس طريقي، وأقف مشدوهة ومنذهلة، بعد أن ظهر لي ذلك الشئ المريع. كل شئ في الخارج بدأ عاديا وهادئا فَلِمَ الخوف والارتباك الذي لازمني؟ سأستنشق عبير الأزهار، وأجمع باقة من النرجس أحملها إلى غرفتي وأتابع مسيرتي. لكني شعرت فجأة أن شيئا غريبا أخذ يمس رأسي. فذعرت وخلت المكان مسكونا بالأرواح، وصرخت مذعورة: ما هذا؟ وماذا جرى؟أسرعت نحو المنزل وأنا مذعورة، وإذا غمامة باردة من الضباب تغمر رأسي. وتحركت الغمامة ثم توارت، وتطلعت حولي فإذا البستان يبدو قائما أمام نظري. وهبت نسمات باردة داعبت أوراق الصفصاف المنتشرة في الحديقة ولازمني شعور من الخوف والحيرة، فأخذت ارتجف وبت مشدوهة وحائرة.خاطبت نفسي قائلة: ما لك يا بلقيس! اضبطي عواطفك! ليست تلك الغمامة سوى صورة ابتدعها خيالك ليداعبك. وكان لا بد من دخول البيت لأن وقت العشاء كان قد اقترب، فحملت باقة النرجس وتثاقلت بخطواتي أقصد باب المنزل.كانت نوافذ البيت تعكس أنوار الحب الدافئ في الداخل. وقلت في نفسي أن هذه الحجارة البيضاء التي تكوّن الجدران، والأبواب الخشبية للمنزل ستقدم لي حماية من كل شئ غريب. ففي الداخل يقين واطمئنان.ولما أوشكت دخول المنزل شاهدت شيئا غريبا يهبط على مقربة مني، وكاد يمس كتفي. ومن عادتي أنني لا اكترث للأمور غير الطبيعية واهزأ بها، لكن الآن غمرني شعور بأن شيئا غريبا قد حصل، وإن أمرا غير طبيعي قد تراءى لي. إذ حالما وطئت قدماي أرض المنزل إذا بلمسة غريبة تمس يدي اليمني فصرخت وأغلقت الباب ورائي.وللحال هرع الخدام نحوي وهم خائفون أن يظهروا أية ملاحظ أو يوجهوا أي انتقاد لأني ظهرت كشبح أمامهم. ولم أجرأ على الكلام إلا ساعة حان ميعاد نومي. عند ذلك تحدثت مع الجاريتين وأخبرتهما عن الشيء الغريب الذي تراءى لي. وسألت: هل تعتقدان بوجود أرواح؟ وكانت إحدى الجواري مسلمة وإسمها نورجان، والثانية مسيحية وإمسها ريشام، وحاولتا في بادئ الأمر تحاشي الإجابة على سؤالي إلا أن نورجان تجرأت وقالت: أتريدين يا سيدتي أن استدعي الملأ، وهو الأمام في أحد مساجد البلدة. فقد يحضر جالبا معه بعض الماء المقدس الذي به يظهر الحديقة ويطرد الأرواح.وكنت حينذاك قد استعدت وعيي الكامل، وتأثرت في أعماق قلبي بأنني استسلمت للاعتقاد بالخرافات. ولم أشأ أن ينشر هذا الحادث في البلدة، فاتسمت وقلتُ لنورجان: لا أريد أن يدخل هذا المكان أي رجل ليطرد الأرواح منها. وعلى الأثر تناولت نسخة من القران الكريم الذي كان بجانبي ضمن غلاف جلدي أزرق، وقلبت بعض صفحاته ثم استسلمت للنوم. أنه مازال ينزف, من أجلى ومن أجلك
مسيحيتنا فوق الزمان أفقت عند الصباح على صوت المؤذن وهو يدعو للصلاة وكان صوته مثل السابح الذي يجاهد للخلاص من الغرق, كان صوتا ناعما ورقيقا وقد اخترق الفضاء وأعاد إلى الوعي السليم. وهذا النداء للصلاة يتكرر خمس مرات كل يوم من المآذن في البلاد الإسلامية. ويبدو أن نداءه للصلاة انتعش روحي، لا سيما بعد ما حدث لي ذلك الحادث الغريب البارحة، وبعد تلك الليلة المزعجة التي مرت بي. وأني أذكر أنني سمعت هذا النداء يتكرر طوال الست والأربعين سنة من حياتي. وبالطبع انتقل تفكيري إلى مصدر النداء، وإلى الآله العلي الذي ترفع الناس الصلاة إليه صبحا ومساء.
قبل بضعة دقائق كان مؤذن قرية وان الباكستانية يفتح باب المئذنة المطلة على منزلنا. ودخلها ليتسلق إدراجها الملتوية البالية، التي أفنت نعال المئات من أحذية المؤذنين الذين تسلقوها عبر الأجيال. وأتصوره يتريث عند الباب الأعلى المطل على الناس ليلتقط أنفاسه بعد تسلق الإدراج العديدة. ومشى بضع خطوات على الشرفة ثم هتف بذلك النداء الذي اعتاد المؤذنون أن يدعو فيه الناس للصلاة طوال الأربع عشر قرنا من ظهور الإسلام. حيُ على الصلاة حيُ على الفلاح.
أجل لقد تجاوب صوت المؤذن مع ضباب الصباح ونسيمه العليل، وتماوج الصوت في الطرقات والأزقة، وسمع بجلاء في ليلة نوفمبر الباردة. وكان قد وصل الصوت نوافذ غرفتي واخترق جدرانها الحجرية التي تلونت بلون فضي من أشعة الشمس المشرقة. وعندما سمعت آخر مقطع من نداء المؤذن تذكرت الاختبار المريع، والمظهر الغريب الذي حصل لي الليلة الماضية في حديقة منزلي. وقد حاولت أن أنساه بأن أجعل تفكيري يتجه إلى أعمالي الروتينية. وهكذا نهضت من نومي، وقرعت الجرس الذهبي الموضوع على مائدتي الرخامية قرب فراشي.
ولدي سماع رنات الجرس وقرعاته الموسيقية العذبة هرعت نورجان مسرعة. والمعروف أن الجاريتين نورجان وريشام تنامان في الغرفة المجاورة لغرفتي وكانت قد نهضتا قبل ساعة وهما تنتظران ندائي وأوامري لهما. ومن عادتي أن أتناول شاي الصباح وأنا في السرير. وتعده لي ريشام. أما نورجان فهيأت المشط والفرضاة وأخذت تستعد لترتيب شعر رأسي. في حين أن ريشام دخلت الغرفة تحمل صينية عليها إبريق شاي من الفضة وفنجان اعتدت أن أشرب الشاي منه.
ولا بد من كلمة عن أوصاف الجاريتين، فنورجان كانت في مقتبل العمر وهي قصيرة وسمينة، أما ريشام فكانت أكبر سنا، وأطول قامة وأهدأ سلوكا. شربت الشاي المنعش، وعلى الأثر شعرت ببعض الراحة. وسولت لي نفسي بأن تفكر بأن الشاي ربما كان أفضل من الصلاة في تهدئة أعصابي. ولو عرفت أمي أني لا أقدّر للصلاة قيمتها لاضطربت وحزنت في قلبها، لأنها كانت من دعاة الصلاة. وكثيرا ما رأيتها تفرش سجادة الصلاة على أرض الغرفة وتتجه بوجهها تجاه مكة المكرمة، ثم تقوم بعد ذاك بالفرض المقدس، وتؤدي الصلاة على الطريقة الإسلامية المعهودة، وفيما أنا أفكر بأمي حانت مني التفاته إلى خزانة الملابس التي ورثتها عنها. وكانت مصنوعة من خشب الصندل، ومغشاة بالفضة. وكانت رحمها الله قد ورثتها عن أمها من قبلها. من أجل ذلك اعتبرت هذه الخزانة ذكري محببة لي من أمي الراحلة، وكنزا ثمينا يجدر بي أن أحتفظ بي مدى الحياة. وبعد أن شربت فنجان الشاي بدأت الجاريتان عملهما، واحدة في تقليم إظفاري والأخرى في تمشيط شعري. وفيما هما تشتغلان تحدثتا عن إختبار القرية وكانت ريشام تعطي بعض الملاحظات عن الحديث الذي دار بينهما.
فقد ذكرت ريشام أن ولداً ترك بيته في القرية ليذهب إلى المدينة ليحظى بفتاة يتزوجها هناك. ثم ذكرت أن جريمة قتل حدثت في بلدة قريبة من مسكن عمتها، وارتجفت ريشام عند ذكر ذلك لأن الفتاة المقتولة كانت مسيحية. وقالت إنها كانت تعمل خادمة في بيت أحد المرسلين وقد عثر على جثمانها في أحد أزقة تلك القرية.
وسألت: هل جرى تحقيق لمعرفة القاتل؟
أجابت ريشام: لا يا سيدي! وأدركت أن ريشام لكونها مسيحية لم تشأ أن تتكلم عن جريمة القتل وربما كانت تعرف من قتل الفتاة. ويبدو أن أخاها لما عرف أنها تعمدت وغيرت دينها ثارت حميته ورغب أن يمحو هذا العار عن العائلة فقتلها. وكان هذا شائعا لكل من يترك الإسلام ويعتنق دينا جديدا.
قد تكون الشريعة قاسية نوعًا ما في هذا الشأن، أنما جماعة المتحمسين للدين، وإتباع التقاليد يأخذون القانون بأيديهم، ويثأرون بشدة لمن تسوّل له نفسه ترك الإسلام واعتناق دين جديد.
والغريب أن الأثيرية كانت تعلم من قتل تلك الفتاة التي اعتنقت المسيحية، أنما لم يستطع أحد أن يثأر لها أو يحرك ساكنا، لأن هذه كانت العادة المتبعة أن أحد المقربين يمحو العار عن العائلة بقتل من يشذ عن التقاليد المرعية. وقد حدث قبل سنة أن أحد الخدام عند أحد المرسلين المسيحيين وجد مذبوحا وجثته مطروحة في أحد الخنادق، لكن لم تتخذ أية إجراءات عدلية في هذه القضية.
لقد حاولت أن أنسى هذه القصص الأليمة لذلك نهضت من فراشي وللحال جلبت لي الجارية بعض الفساتين من خزانتي لاختار أيها أشاء، فأشرت إلى فستان مطرز بالجواهر. وبعد أن لبسته تركت الجاريتان غرفتي. وكانت الشمس قد ملأت جوانب الغرفة بنورها المشرق الوضاء، وانعكست تحلي صورة كانت على المائدة ضمن إطار ثمين. وكانت الصورة تمثل شخصية في أحد مطاعم لندن الأنيقة.
مثلت الصورة رجلا في مقتبل العمر شديد البأس ذا شارب أسود وعينين متقدتين بالحماسة، وقد مثلت زوجي السابق القائد خالد الشيخ. وسألت نفسي: لماذا أبقيت هذه الصورة في غرفتي لأنني أخذت أكرهه، ومتلات نفسي حقدا عليه لأني كنت أتصور أنني لا أستطيع العيش بدونه, أنه في ريعان الشباب وهو الجنرال خالد وزير داخلية الباكستان. ويظهر بجانبه سيدة مرحة هي أنا. وكنت منحدرة من عائلة إسلامية محافظة، وكانت عائلتي طوال سبعة قرون أسياد تلك المنطقة من ولاية هندية في الشمال الغربي مما كان يعرف قبلا ببلاد الهند. وقد أخذت تلك الصورة قبل ست سنوات، وكنت في ذلك الوقت أعيش بين باريس ولندن وأعمل مضيقة للسياسيين والصناعيين من كل إنحاء العالم.
وقابلت نفسي الآن بما كانت عليه في ذلك العهد، فوجدت أن الابتسامة الندية فارقت محياي. وهذه البشرة الناعمة قد تحولت إلى بشرة قاسية، وذلك الشعر اللامع الجميل قد خطة الشيب، وذلك الوجه الأملس قد تجعد من كثرة العناء ووفرة الهموم ومرارة العزلة والوحدة. أجل لقد تحطم ذلك العالم السعيد الذي كنت أنعم به كما تمثله الصورة عندما تركني زوجي خالد قبل خمس سنوات. وتأثرت من حياة المدن الكبيرة والعيش في لندن وباريس أو راولبندي الهندية، من أجل ذلك قصدت الإنعزال والسكن في هذا المكان الهادئ وضمن أملاك سكنها أجدادي.
آثرت السكن في هذه البقعة من الأرض الواقعة على سفوح جبال الهملايا. وقد قامت قرية بالقرب من ممتلكات أجدادي على إحدى التلال الجميلة عرفت بإسم واه، وكنت قد قضيت أيام طفولتي في تلك القرية، ووسط الحدائق التي غرسها أفراد من أسرتنا من الجيل السابق. وكانت منازل القرية بقبابها العالية وغرفها الجميلة قديمة العهد وأثرية، وهي تشبه البيوت المبنية على جبل صفدكو المكسو بالثلوج والمجاور لقريتنا.
وسكنت عمتي معي في أحد المنازل الرئيسية التابعة للعائلة ولما كنت أنشد العزلة اخترت مسكنا متواضعا في ضواحي قرية واه. وكان البيت مثل الجوهرة، مبنيا وسط أرش تبلغ مساحتها 12 فدانا، وضم حدائق غناء، وأراض واسعة، يتوسطه ذلك المنزل المتواضع الذي اخترته مسكنا لي. ويتألف من طابقين العلوي للنوم والسفلي للأكل والاستقبالات، وتوفقت لأني حظيت بمثل هذا الجو الذي يقدم لي الراحة والهناء والإستقرار والسكينة.
[url=http://www.om-elnor.com/vb/customavatars/avatar20688_1.gif] [/url] وقدم لي المنزل أكثر ما كنت أتمني لأن الحديقة تحتاج من يرعاها، وكانت هذه تسلية لي، أقضي معظم أوقاتي في العمل مع الطبيعة الخيرة وفي الأرض الطيبة. ومع الوقت حولت الإثني عشر فدانا إلى حدائق غناء إذ ملأت تلك الرقعة من الأرض بالمياه الجارية، والحدائق بالأزهار الجميلة النادرة. وهكذا غدت تلك البقعة من الأرض والمنزل الذي اخترته واحتي المفضلة، والفردوس الأرضي الذي أنشده. وقد لقبت بالمتنسكة، وبالسيدة المتوحدة، وبالفعل فأني انعزلت عن حياة المدن، وآثرت العيش مع الطبيعة الجميلة وبالقرب من حدائق منزلي وأزهارها.
وحولت نظري عن الصورة التي كانت على المائدة، وتطلعت من النافذة المطلة على قرية واه. وأعاد إسم القرية ذكريات جميلة إلى نفسي، فقبل عدة قرون كانت تلك المحلة خربة إلى أن مرّ أحد أباطرة المغول بقافلته منها. فتوقفت القافلة تنشد الراحة. ونام الإمبراطور قرب أحد الينابيع التي تتفجر في ممتلكات أرضنا. وفيما هو مرتاح تحت إحدى شجرات الصفصاف هتف من شدة فرحه وإرتياحه بالكلمة واه. وعلى الأثر أطلق إسم واه على تلك الناحية. ومع الوقت نمت وترعرت فغدت قبلة للزائرين، ومحطة للقوافل الذاهبة والايبة في تلك منطقة.
وحالا تذكرت ما حدث لي الليلة الماضية من اختبار غريب. وحاولت طرد تلك الأفكار من ذاكرتي، إلا أن تلك الرؤيا ظلت تتراءى أمي. وقلت لأطوي صفحًا عما حدث، فهذا يوم ثان، وهذا صباح جميل. ولدي كثير من الأشغال والأعمال التي تلهيني عما حدث.
استنشقت نسيم الصباح العليل، وأنا واقفة بالقرب من نافذة غرفتي، وشاهدت الخدام وهم يكنسون ساحة الدار، وتصاعدت رائحة الطعام الموضوع فوق المواقد، وكانت دواليب طاحونة الماء وهي تدور وتدفع بالماء تسمع من بعيد، فتأوهت وقلت هذه قرية واه، وأنا أسكن فيها. وها هو منزلي يقدم لي الراحة ويعيد السكينة إلى نفسي. فما أحلى هذه البقعة من الأرض! وما أجمل السكن في هذه القرية!
في هذه البقعة من الأرض عاش الأمير الإقطاعي نواب محمود حياة خان قبل سبع مئة سنة. ونحن من سلالة ذلك الأمير العظيم. ومنذ ذلك الزمان وعائلتنا تعرف في بلاد الهند بآل حياة من قرية واه، ومنذ ذلك العهد، والقوافل تمر من الطريق المجاورة لقريتنا، وما أكثر القواد والأباطرة الذين سلكوا ذلك الطريق أثناء أسفارهم، لما كانوا يعرجون علينا لزيارة أحد من أصلافنا. وحتى في أيام صباي كان النبلاء والزوار من أوروبا وأسيا يسلكون نفس الطريق قاصدين زيارة أمراء قرية واه، وبعضا من أسلافنا الغابرين؟ أما الآن فلا يستعمل تلك الطريق سوى البعض من أفراد أسرتي الذين يفدون لزيارتي. ومعنى هذا أنني لا أرى أناسا أغرابًا، وجل من أراهم هم من أفراد عائلتنا الكبيرة.
لم أكن لأبالي بحياة العزلة لأن الخدام الأربعة عشر الذين كوّنوا حاشيتي كانوا كفاية لتسليتي. وأسلافهم وآباؤهم من قبلهم خدموا أسرة آل حياة لأجيال طويلة، أنما تسليتي الكبرى في عزلتي كان حفيدي محمود. وهو يبلغ الآن الرابعة من عمره. وأمه كانت توني إحدى بناتي الثلاث، وهي نحيفة وجذابة المنظر واشتغلت كطبيبة في مستشفى العائلة المقدسة في مدينة راولبندي المجاورة. وكان زوجها من أصحاب الأملاك الشهرين في تلك الناحية، بيد أن حياتهما الزوجية لم تكن هينة، وكل سنة كانت العلاقات الزوجية تتدهور بين ابنتي وزوجها. وكثيرا ما كانت توني ترسل محمود عندي عندما تكون مشغولة. وزاد ترددها علي عندما استاءت العلاقات الزوجية بين الوالدين، ويوما ما جاء الوالدان يعرضان عليّ أن أعتني بمحمود، وكان يبلغ سنة واحدة من العمر، وريثما يسويان أمر خلافاتهما. قلت لهما: لا أريد أن يكون محمود مثل الكرة تتقاذفه الأيدي هنا وهناك، فإذا شئتما تبنيته واعتبرته ولدي. ولما لم تستطع توني أن تسوّي علاقاتها مع زوجها طُلقت منه، وكانا قد وافقا أن أتبنّى محمود. وفي البداية كانت توني تسكن قريبة مني فتحضر بين الآن والأخر لترى محمود. وهكذا عشنا نحن الثلاثة على مقربة من بعضنا البعض، لأن ابنتي الثانيتين كانتا بعيدتين عني.
ولشدما غدا محمود تسليتي الكبرى. وها قد مضى عليه ثلاث سنوات في رعايتي: وهذا الفتى الناشئ بطلعته الملائكيه وعينيه العسليتين كان مجلبة للفرح والسعادة لي. وكانت ضحكته تشيع السرور بين سكان المنزل وترفع من معنوياتي وتبدد سحابة كابتي. وكثيرا ما فكرت في مصيره للمستقيل، وفي شعوره تجاهي، وهو يعيش مع جدة منكسرة القلب ومعزولة عن الناس. أما أنا فخصصت له ثلاثة من الخدام ولبيت جميع حاجاته، وحاولت دوما أن أجلب السرور إلى قلبه.
[center] وذات يوم انزعجت كثيرا لما علمت من الخدام أن محمود غير راغب في الأكل خلافا لعادته. فهو دائما يتردد على الخبز ويتناول ما شاء من الحلوى والكعك الشهي. ولما علمت من الخادمة أنه يرفض تناول الطعام سألته عن سبب ذلك قال: إنني لست جائعًا. وقالت نورجان ربما كان محمود يشكو من أرواح شريرة تهاجمه. فأنبّتها على هذا القول، وقلت نحن لا نؤمن بمثل هذه الخرافات. ولكني عدت فتذكرت الحادث الغريب الذي حصل لي في الليلة سابقة وقلت ربما كان في المسألة سرّ مستغلق علينا، والأفضل أخذه عند طبيبه الخاص للمعالجة.
عدت فعرضت على محمود أقراصا من الحلوى اللذيذة التي كان يحبها والتي كنت قد استوردتها له من الخارج خصيصا. وعلى الأثر فاضت عيناه بالدموع وقال: أحب هذه الشوكلاتا يا ماما، لكني عندما أحاول ازدراد أي شئ يعروني ألم شديد. فسرت في جسمي قشعريرة باردة عندما تطلعت إلى حفيدي وهو منكمش ويائس مع أنه كان على الدوام روحا مشتعلة، وفتى مملوءًا بالحيوية والنشاط.
وللحال استدعيت منصور سائق السيارة، وكان مسيحيا، وقلت له أن يعد السيارة لنأخذ محمود فيها عند الطبيب في بلدة راولبندي المداورة. وعندما فحص الطبيب الفتى قال: إنه لا يرى فيه أي مرضي. فزاد انزعاجي إذ لا علاج يستطيع إعادة هذه الحيوية المرحة إلى شخصية محمود الفتية. وقلت في نفسي ربما كانت نورجان مصيبة في ادعائها بأن أرواحا شريرة تطارد هذا الصبي الناشئ. ولما كان ما يشكو منه محمود هو فوق طاقة الأطباء فلا بد أن ما أصابه جاءه من عالم الروح. وفيما أنا أفكر بمثل هذا تذكرت ما قاله مرة والدي عن قديس سكن في تلك الناحية شاع عنه أنه يصنع عجائب. وعند ذاك ضحكت من مثل هذه الادعاءات، انما الآن بدأت نفسي نسول لي بتصديقها: وعندما اقتربنا من المنزل بعد عودتنا من زيارة الطبيب قلت في نفسي: ألا يمكن أن تكون قضية محمود لها علاقة بما تراءى لي من غيمة مفاجئة في الحديقة، ومن شبح مس أهداب شعري، وأنا أطأ عتبة المنزل في تلك الليلة التي ظهرت لي تلك الرؤيا المريعة وحصل لي ذلك الاختبار الغريب؟!
وعندما تحدثت مع نورجان عن مسألة محمود طلبت مني أن أستدعي إمام المسجد ليصلّي من أجله ويرش جنبات الحديقة بالماء المقدس.وبدأ الخوف على وجه نورجان وتطاير غبار الحتاء عن أصابعها وهي تصر على استدعاء الملآ لتطهر البت من الأرواح الشريرة. كنت في الماضي أعتقد ببعض ما كانت به نورجان، أما الآن فقد تركت هذه الأفكار القديمة وهجرت بعض العادات المتوارثة التي كان يمارسها أبناء قومي، حتى أنني ابتعدت عن القيام بالمراسيم الدينية، كالصوم والصلاة خمس مرات في اليوم. انما القضية التي أمامنا الآن هي قضية هامة وتمس صحة الحفيد محمود، وهو الولد الذي تبنيته والعزير لديّ. والحبيب إلى قلبي. وما كان مني بعد جدال بسيط مع نورجان أن فوضتها بإستتدعاء إمام المسجد لمعالجة هذه المشكلة. جلست في اليوم التالي مع محمود قرب نافذة غرفتي بإنتظار قدوم الملا. قرع الباب ودخل المنزل وعباءته تتطاير مع هبات الهواء. وتأسفت في قلبي لأني استدعيت مثل هذا الرجل الوقور في مثل هذا الطقس المضطرب. وما أن استقر به المجلس حتى فتح المصحف الشريف وكان محمود يراقب حركاته بلهفة فائقة. وكان لون بشرة الإمام يشبّه لون غلاف المصحف. وما هي إلا برهة قصيرة حتى تناول يد محمود وأخذ يتلو آيات من القرآن الكريم. وهي آيات يستعملها المسلمون المؤمنون عند المرض، أو عند الشروع في عمل خطير أو القيام بأشغال تجارية أو ركوب البحر للسفر.ثم وضع الإمام يده على رأس محمود وهو يتلو بصوته الرخيم بعض الآيات الكريمة. وبالطبع فان تلاوته للآيات كان باللغة العربية لأن لا أحد يحبذ ترجمة القرآن إلى لغات أجنبية ويفضل المسلمون إستعمال القرآن بالعربية. ثم وجه الإمام القرآن نحوي وقال: هذه آيات من سورتي الفلق والناس، أريدك أن تعيدي تلاوتها. قلت: لا أريد لأن الله نسيني وأنا بدوري نسيته. وتطلع الإمام إليّ محدقا وحدجني بنظرات مؤنبة فتغيرت لهجة كلامي لا سيما وأنا التي استدعيته إلى منزلي، وغايتي مصلحة الحبيب محمود وصحته الغالية. وما كان مني إلا أن تناولت المصحف الشريف وقرأت الآيات التي أشار إليها الإمام.وتردد الإمام علينا لمدة ثلاثة أيام متتالية، وكان في كل مرة يتلو آيات من القرآن الكريم. ولحسن الحظ تحسنت صحة محمود، وما عتم أن استعاد نشاطه وحيويته. وأصبحت في حيرة من أمري هل أصدّق ما جرى، وهل حقيقة أن تلك الآيات الكريمة هي التي شفت محمود؟! وهكذا أخذت تبرز حوادث خفية وأحداث غريبة، وهذه بدأت تتحرك لتغير دنيا أفكاري وتحطم الجو الفكري الذي عشت فيه طوال حياتي، لا سيما بعد ذلك المظهر الغريب الذي تراءى لي، والإختبار المريع الذي مرّ بي في إحدى الليالي الماضية. بعد تلك الإختبارات التي مرّت بي، وجدت نفسي مدفوعة إلى كتاب الله العجيب القرآن الكريم. وقلت في نفسي علني أجد في مطالعة هذا الكتاب تفسيرا للحوادث الغريبة التي مرّت به، وعساني أجد فيه ما يملأ فراغ نفسي. والغريب أن اللغة الباكستانية (الأوردو) تستعمل نفس حروف الهجاء العربية. ويفضّل وجود القرآن الكريم باللغة العربية خشية التشويه لدي الترجمة.وكنت وأنا صغيرة قد بدأت أتعلم العربية ليتسني لي مطالعة القرآن. وأذكر أن ذلك كان لما بلغت من العمر أربع سنوات وأربعة أشهر وأربعة أيام. وهذا هو العمر المناسب للناشئين لدراسة القرآن الكريم. واحتفلت عائلتنا بهذه المناسبة حيث دُعي جميع الأقارب إلى حفلة خاصة. وأذكر أن زوجة الملآ الذي كان إماما للمسجد هي التي بدأت تعلمني الحروف العربية.وأتذكر بنوع خاص العم فتح. وكان هذا عمي بالفعل، لا لقبا يستعمله الناس للدلالة على احترام الشيوخ والمسنين إذ يلقبون كل رجل محترم بكلمة عم، مع أنهم بالفعل لا يمتون بصلة قرابة لهم. وكان عمي فتح يراقب حركاتي في تلك الحفلة. وقد طفح وجوهه بالفرح عندما تلوت قصة الملاك جبريل وهو يهبط بالوحي على النبي محمد وهو في غار حيراء عام 610 بعد الميلاد. واستغرقت دراستي لكتاب الله فترة سبعة أعوام وعندما أنهيت هذه دراسة أقيمت لي حفلة كبيرة تفوق سابقتها عند بدايتي بالدراس.أجل لما كنت في السابعة من عمري كنت أقرأ القرآن الكريم كواجب وفرض محتم. أما اليوم فقد أقصده عند الحاجة وفي المناسبات. والآن أخذت أفتش عن بعض الآيات التي ربما تقودني لمعرفة ذلك الاختبار الغريب الذي حصل لي في الحديقة في تلك الأمسية التاريخية. فتناولت نسختي من القرآن التي ورثتها عن والدتي، واستلقيت على فراشي وقرأت سورة العلق، وهي أول سورة نزلت على النبي وهو في غار حراء. وتهت بعذوبة الكلام وأعجبت ببلاغة التعبير. وعندما طالعت ما ورد عن طلاق لم أجد منفرجا لحالتي لأني تذكرت زوجي وهو ينطق بكلمة الطلاق ثلاث مرات ويتركني. وتصورته والشرر يتطاير من عينيه وهو يقول: لم أعد أحبك. وتساءلت في أعماق نفسي ماذا جرى لتتركني بعد تلك السنوات الطويلة التي عشناها بالمحبة سوية؟ وهل انتهى أمر زواجي وأصبحت مطلقة؟ وهل هذا ما كتبه القدر لي أن أعيش وحيدة بقية أيام حياتي؟وفي اليوم التالي تناولت المصحف الشريف، وأخذت أقلب صفحاته عساي أجد بعض الآيات التي تعيد اليقين والاطمئنان إلى نفسي. وما أكثر الانذارات والتحذيرات التي مرّت أمام نظري. وفي القرآن الكريم تشريع وإرشادات لحياة طاهرة ومستقيمة. ولما قرأت الآيات من سورة مريم عن يسوع دهشت أن القرآن الكريم يعترف به أنه مولود من عذراء وأنه من روح الله. لكنه لا ينعته بابن الله كالإنجيل خشية أن تشوه عقيدة التوحيد. والإسلام لا يرضى بمشاركة أحد لله في الألوهية، وفكرة الثالوث تدعو إلى الشرك، والإبتعاد عن الوحدانية. وكنت أكرر العودة إلى هذا الكتاب عساي أجد فيه منفرجا لما يجول في أعماق نفسي من اضطراب وانزعاج وعساي أجل ضمن صفحاته السلام القلبي الذي كنت أنشده.ولشد ما قصدت الحديقة وبدأت أتجول في دروبها، وأراقب أزهارها ورياحينها عساني أجد السلام المنشود وسكينة النفس في الطبيعة الجميلة وفي الأرض الطيبة، أو في الذكريات الماضية. وكان محمود يرافقني في تلك الجولات وكثيرا ما كنت أراه يقفز ويركض في تلك الطرقات التي أحببتها منذ صفري. ورغم أن الفصل كان خريفا فأننا شعرنا بالدفء وسحرنا بجمال الطبيعة الفتان. وتصورت في تلك الغدوات والدي، وهو يسير بجانبي، لابسا عمامته البيضاء وبزّته الرسمية، لأنه كان وزيرا للدولة الباكستانية الناشئة حديثا. وأسمع نداءه لي يتجاوب في أعماق نفسي، وكان يدعوني ببلقيس السلطانة. وكانت بلقيس ملكة سبأ المشهورة، وأضاف إلى إسمي السلطانة، ليذكرني بتلك الملكة العربية، وليسبغ على هذا اللقب الملوكي.وما أكثر الأحاديث القيّمة التي دارت بيني وبين والد عند ذاك. وقد ذكرنا دولة الباكستان التي نشأت من جديد بعد التقسيم. فقد خُلقت هذه الجمهورية الإسلامية الجديدة المعروفة بباكستان بعد انفصالها عن الهند، لتكون موطنا للمسلمين في جنوب أسيا. وأذكر أن والدي صرّح بأن باكستان هي أكبر دولة في العالم تسير بموجب الشريعة الإسلامية. وأشار إلى أن 96 في المائة فمن سكان الباكستان مسلمون. في حين أن البقية أقليات بوذية وهندية ومسيحية.ورفعت عيني إلى ما وراء أشجار حديقتنا الوارفة، ورانت مني التفاته إلى الأزهار الجميلة، والأعشاب اليانعة التي تكسو التلال المجاورة، وكنت جد متلهفة أن أحتفظ بتلك الذكريات الجميلة. وهذه الأحاديث مع والدي كانت تهئ لي تسلية ومتعة بالغتي الأثر. وكان والدي يشعر أنني أتجاوب معه في الحديث لا سيما عندما ذكرنا التغير السريع المفاجئ الذي طرأ على بلادنا. والآن قد توارى والدي من الوجود ولم تبق لي إلا هذه الذكريات.وأذكر عندما وفقت عند قبره في المقبرة الإسلامية في ضواحي لندن وكان قد سافر لعاصمة أنكلترا ليجري عملية جراحية لكنها للأسف لم تنجح. ومن عادة المسلمين أن يدفن الجثمان خلال 24 ساعة من الوفاة. وعندما وصلت إلى المقبرة كان القبر ما زال مفتوحا، وكأن المسؤولين تريثوا ريثما أحضر. وعندما تطلعت إلى الجثمان لم أصدّق أنني أرى والدي، وكانوا قد فتحوا التابوت لالقي نظرة أخيرة على ذلك الوالد الطيب الذكر. وتعجبت كيف أن هيئته تغيرت، وفارقته تلك الحيوية التي كانت تلازمه إثناء حياته. وفقدت والدتي بعد سبع سنوات من وفاة والدي. وهكذا بقيت وحيدة في هذه الدنيا بعد أن فقدت الوالدين الحبيبين.أنا الآن وسط حديقتي أعيش على ذكريات الماضي، وقد نمت الأشجار، وأينعت النباتات وازدادت الظلال في جنبات الحديقة. وكل هذه التغيرات لم تجلب لي راحة وتوفر لي سكينة النفس، بل ان الذكريات الماضية ما برحت تزيد في الأمي النفسية، واضطراب أفكاري. وفيما أنا في غمرة تأملاتي في الحديقة، سمعت صوت المؤذن يدعو إلى صلاة المساء. وتأوهت في أعماق قلبي وقلت: يا إلهي اين تلك السكينة التي وعدتني بها؟!وعلى الأثر عدت إلى غرفتي وتناولت المصحف الشريف الذي ورثته عن أمي، وأخذت أقلب صفحاته، فتأثرت من تلك المقاطع العديدة والآيات الوفيرة التي تشير إلى اليهود والمسيحيين الذين وجدوا قبل ظهور القرآن الكريم والنبي العربي. وقلت في نفسي لماذا لا أقرأ تلك الكتب المقدسة التي أشار إليها القرآن الكريم والخاصة بهؤلاء المؤمنين؟! ومعنى ذلك أنه لا بد من مطالعة التوراة والإنجيل. وظلت هذه الفكرة تشغل بالي ودفعني الشوق لأعرف فكرة الكتاب المقدس عن الله. وماذا يقول الإنجيل عن المسيح. لذلك فكان لا بد من الحصول على نسخة من الكتاب المقدس لالبي رغبة نفسي المتعطشة لهذه المعرفة.وغدت مشكلتي من أين أحصل على نسخة من الكتاب المقدس، ولا حانوت في ناحيتنا يتعاطى بيع مثل هذه الكتب. وقلت في نفسي ما دامت ريشام جاريتي مسيحية فلا بد وأن تكون لديها نسخة من هذا الكتاب السماوي. لكن ريشام لم تتجاسر أن تظهر بمظهر الحائز على نسخة من الكتاب المقدس خشية أن يحدث لها ما حدث لغيرها ممن تركوا الإسلام واعتنقوا الدين المسيحي. وفكرت في بقية الخدام المسيحيين. وكانت عائلتنا لا تحبذ استخدام من هم مسيحيون لعدم الثقة بولائهم. أما أنا فلم أكترث لهذا، إذ المهم عندي كان أن يقوم هؤلاء بواجباتهم بأمانة وإخلاص. لذلك أنا لم أتزعج من هذه الناحية واستخدمت عددا منهم من بينهم ريشام جاريتي الأمينة ومنصور سائق سيارتي النشيط.
كان المرسلون المسيحيون قد قدموا للبلاد لنشر بشارة الإنجيل، وأدركوا أنهم يستطيعون اكتساب بعض المهتدين إلى المسيحية من الطبقات الفقيرة. وفعلا فان معظم الذين اعتنقوا المسيحية عند ذاك كانوا ممن يكنسون الشوارع أو ينظفون المجاري. ودعي هؤلاء المهتدون (بمسيحيي الأرز) لأنهم في اعتناقهم الذين الجديد كانوا يقصدون الحصول على طعام وملابس وتعليم. وكان المرسلون على استعداد ليوفروا لهم هذه الحاجات. وكثيرا ما استغربنا من المرسلين كيف أنهم يعنون بمثل هؤلاء الناس المعدمين، والفقراء المساكين.
تذكرت أن منصور سائق سيارتي كان قد طلب مني قبل مدة أن أسمح لبعض المرسلين أن يتجولوا في حديقتي. وكان أحدهم قد أعجب بترتيبها وجمالها، وهو يطل عليها من وراء السياج. فسمحت لمنصور أن يجلب من يروم من هؤلاء المرسلين للتجوال في حديقة منزلي. وذات يوم شاهدت شخصين أمريكيين يجوبان أطراف الحديقة ويتجولان في جنباتها. وعرفت أن أحدهما كان القس داود متشل ترافقه زوجته. وقد ارتديا ملابس أوروبية، وكنت قد أوصيت البستاني أن يزودهما ببعض البذور إذا هما شاءا ذلك.
ولمستها فرصة سانحة للحصول على كتاب مقدس. وطلبت من منصور أن يقوم بهذه المهمة. فاستدعيته لغرفتي فوقف أمامي بسرواله الأبيض العريض، وكان متهيج الأعصاب ومذعورا. فقلت له: هدئ من روعك يا منصور! كل ما في الأمر أني أريد منك أن تحصل لي على نسخة من الكتاب المقدس من أصحابك المرسلين. وكان منصور يجهل الكتابة والقراءة، ولم يملك كتابا لنفسه. فأستغرب هذا الطلب. ولما ألححت عليه هز رأسه ووعد بإتمام المهمة.
كان جلب كتاب مقدس وإعطاؤه لأحد أفراد عائلة إسلامية عريقة مسألة خطيرة، لأن ذلك قد يكون له عواقب وخيمة، ولذلك تريث منصور باستجابة الطلب، لا سيما وانه سمع عن الذين كانوا يقتلون بسبب انتمائهم للدين المسيحي. وفيما أنا معه في السيارة في طريقنا إلى مدينة راولبندي المجاورة قلت له: لم أحصل يا منصور بعد على نسخة من الكتاب المقدس! أجاب: سأحضر لك يا سيدتي نسخة قريبا. ومرّت ثلاثة أيام فلم يلبّ طلبي فاستدعيته إلى غرفتي وقلت له: سأطردك من خدمتي إن لم تجلب لي نسخة من الكتاب المقدس من أحد أصحابك المرسلين.
وأمتقع لون وجهه إصفرارًا من شدة الخوف، وقد أدرك أنني جادة فيما أقول. وفي اليوم الثاني وجدت نسخة صغيرة من الكتاب المقدس على مائدتي، ومطبوعة باللغة الأردية وهي لهجة هندية تستخدم حروف الهجاء العربية في الكتابة. ويبدو أن مرسلا إنكليزيا كان قد ترجمها إلى الأوردو قبل 180 سنة. وكانت لغة الكتاب صعبة وقديمة وعسيرة الفهم. وربما كان منصور قد حصل على تلك النسخة من أحد أصدقائه. فقلّبت الكتاب وحاولت أن أقرأ بعض السطور فتعذر عليّ ذلك عندئذ تركت الكتاب المقدس جانبا.
وما هي إلا لحظات حتى جاءت إبنتي توني لتزورني. وشاهدت محمود يركض وراءها ويتناول هديته منها. وبعد برهة كان محمود يطير الطيارة التي جلبتها له أمه. وجلست مع توني لنتناول الشاي معًا. ولاحظت إبنتي الكتاب المقدس على المائدة أمامي. فتعجبت وقالت هل هذا هو الكتاب المقدس المختص بالمسيحيين؟! ليتك تقرأين لنا ماذا يقول هذا الكتاب؟! وكانت عائلتنا تنظر باحترام إلى أي كتاب مقدس. وكانت عادتنا أن نفتح الكتاب بدون تعيين صفحات خاصة. وعندما تناولت الكتاب حدث شئ غريب إذ فتحته على بعض الآيات من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. فقرأت رومية 25:9-26: "سادعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي". وعلى الأثر انتابتني رجفة، لكني تماسكت في أنفاصي وجعلت أسائل نفسي: لماذا أثرت هذه الآيات عليّ لهذا الحد؟!
وخيم صمت رهيب على الغرفة، وتطلعت إلى إبنتي توني وكانت تتوق لتعرف ما عثرت عليه من كلام الله الذي أثار عواطفي. لكنني لم أستطع قراءة تلك الآيات بصوت عال، لأن شيئا غريبا استحوذ على مشاعري وجعلني أتطلع إليها ككلمات هابطة من السماء لا مجرد كلمات للتسلية بل للتفكير والتأمل.
وسألتني توني: ماذا جرى يا أماه؟!
لكنني أقفلت الكتاب وتمتمت بعض العبارات، وقلت أن هذا الكلام هو كلام وحي صادق. وعلى الأثر غيرا مجري الحديث في حين أن تلك الآيات الكريمة أخذت تذكي نارًا في قلبي، وكأنها تمهد لحدث خطير في حياتي. وسرعان ما غدت ممهدة لأحلام عجيبة، ولأعظم اختبار روحي سيحصل لي.
وثاني يوم تناولت كتابي المقدس، ولم أكن لأذكره أمام توني لأني غيرت مدري الحديث عند ذلك. لكن الآيات التي قرأتها من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ظلت تتفاعل مع وعيي، وفي عمق تفكيري. وعند المساء انعزلت في غرفة نومي، حيث نشدت الراحة وعدت للتأملات الهادئة. ثم تناولت ذلك الكتاب وجلست بين وسائدي الناعمة البيضاء وأعدت تلاوة تلك الآيات الثمينة. ثم تابعت ما ورد في رومية 31:9 فقرأت ما يلي "لكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر لم يدرك ناموس البر."
[b][size=21][font=arial][color=darkgreen]وقلت في نفسي أن اليهود ضلوا السبيل، وبهذا يصرح أيضا القرآن الكريم. وقد يتصور المرء أن كاتب الرسائل كان مسلما لأنه يستمر في الحديث عن إسرائيل بأنهم لم يعرفوا صلاح الله. وتابعت قراءة ال
عدل سابقا من قبل sarah في الثلاثاء 31 أغسطس 2010, 2:41 pm عدل 2 مرات (السبب : حذف ما يشوه الموضوع نتيجة للنقل) | |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: كيف عرفت ابويا 2 الإثنين 30 أغسطس 2010, 10:17 am | |
|
[size=21]وبعد هذا الحلم أخذت أطالع القرآن الكريم والكتاب المقدس طوال ثلاثة أيام متنقلة من كتاب إلى آخر. وكنت أقرأ القرآن كواجب، وكتقليد متوارث، في حين أن إقبالي على مطالعة الكتاب المقدس كان تلمسًا للحياة الجديدة التي كنت انشدها والتي بدأت اكتشف معالمها. وعندما كنت أفتح ذلك الكتاب كنت أشعر بإحساس من الذنب بعتريني، وربما كان ذلك ناشئا عن تربيتي الخاصة ونشأتي الأولى. وكانت العادة المتبعة أن يوافق والدي أثناء صغري على الكتاب الذي أرغب في مطالعته. وظل هذا جاريا حتى غدوت راشدة. وأذكر كيف أنني وأخي هرّبنا مرة كتابا إلى غرفتنا للمطالعة مع أنه كان كتابًا كله طهارة وبراءة، وكان ذلك عملا شاذا منا. والآن عندما أفتح الكتاب المقدس لا طالعه أشعر أنني أقدم بعمل غير مستقيم إذ أعصي أوامر والدي. كانت غايتي معرفة من كان المعمدان الذي ترائ لي في الحلم. ولدي مطالعتي جذبت نظري قصة الزانية التي جلبها قادة اليهود إلى يسوع. وارتجفت لأني خشيت العقاب الصارم الذي سيفرضه عليها. والقوانين الإلهية في الشرق لا تختلف كثيرًا عن القوانين المتبعة في الباكستان. إذ يعاقب المجتمع الزانيات بأقسى العقوبات. وقرأت قصة هذه الزانية بلهفة وتصورتها وهي تقف أمام يسوع، ولا بد من أن أقاربها كانوا يتأهبون لرجمها بالحجارة وهم بإنتظار الحكم الذي سيصدره يسوع عليها، لكن النبي قال للحاضرين: كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر (يوحنا 7:8). وتصورت عند ذاك كيف أن الرجل تفرقوا ذات اليمين وذات اليسار، لأن المسيح أنبّر على الفكرة أن الذي كان بينهم بلا خطية فليبادر إلى رجمها بالحجارة. ومعنى هذا أننا كلنا مذنبون ولا أحد منا بلا خطية, ووقع الكتاب من يدي وأنا منغمسة في تفكيري، ومتأملة في جواب المسيح لقادة الشعب. ويبدو أن في جواب النبي هذا تحديا صارخًا لمن يدعون أنهم قادة الشعب الروحانيين! وحدث أنه بعد ثلاثة أيام حلمت حلمًا آخر. وخلاصته أنني وأنا غرفتي إذا بالجارية تعلن عن قدوم رجل يبيع الروائح والعطورات وأنه يرغب في مقابلتي إذ لدية أصناف من العطورات تليق بسيدة هذا المنزل العظيم. وكان قد حدث نقص في العطورات في الباكستان عند ذاك، وخشيت أن ينضب ما لدي من مخزون من هذه المادة الكمالية للتجميل. وكان الباعة يقصدون البيوت وهم يحملون الحقائب على ظهورهم، ويبيعون ربات البيوت كميات من العطور مما يحملون. فنهضت عن الديوان الذي كنت جالسة عليه وذهبت لمقابلة ذلك البائع، وكلي فرح وحبور. وشاهدت رجلا يلبس سترة سوداء ويحمل حقيبة كبيرة على ظهره. وعندما فتح الحقيبة تناول قارورة ذهبية وأزال غطاءها وأعطاني إياها لاشمها. وكان العطر الذي فيها يبرق كالبلور، والرائحة الطيبة تفوح منها. ولما حاولت لمسها أخذ القارورة من يدي ووضعها على المائدة قرب فراشي. وقال: سوف ينتشر عبير هذه القارورة ويملأ الأجواء. ورائحتها الطيبة ستملأ الدنيا كلها. وعندما أفقت في الصباح كان الحلم ما يزال حيّا في مخيلتي. وتدفقت أشعة الشمس الذهبية على نافذتي فغمرت الغرفة بالضياء؟ وأنتشر عبير الأزهار، ورائحة الأشجار فملأت جنبات الغرفة برائحة ذكية. وعندما جلست إلى المائدة وجدت عوضا عن القارورة الكتاب المقدس موضوعا هناك. وكأنه برائحته الطيبة ينتشر في العالم أجمع، وسيعم المسكونة كلها. وجلست هنيهة أفكر في هذا الحلم الغريب، وفي الحلم الأخر الذي سبق أن حلمته. والغريب أنه لمدة سنوات عديدة لم أكن لأحلم أبدًا. والآن في ليلة واحدة خطيت بحلمين. وقلت: هل ثمة علاقة بين الحلمين؟! وهل لهذين الحلمين صلة بالحقائق الفائقة للبيعة التي أخذت تتراء لي وتشغل تفكيري مؤخرًا؟! وقمت بعد ظهر ذلك اليوم بجولتي المعتادة في أطراف الحديقة، وكنت ما زلت مذهولة من أمر هذين الحلمين الغريبين. ولكني شعرت بأن سلامًا قلبيًا أخذ يغمر كياني مما لم يكن لي به عهد في الماضي. أجل شعرت أنني في حضرة الله. وابتعدت عن أشجار الحديقة ووقفت في بقعة خالية منها وإذا الهواء حولي يحمل لي رائحة ذكية أنه لم يكن عبير الأزهار ولا رائحة الأشجار، بل عبيرًا من نوع إسمي وأشمل. أنه كان عبير روح الله النابع من السماء!
بقيت محتارة ومنذهلة فترة من الزمن، وأنا أفكر في هذا العبير الذكي الشامل الذي غمرني. وقلت في نفسي: ماذا جرى يا ترى؟! ليس هذا ميعاد تفتح الأزهار أو تورق الأشجار، لأن الفصل خريف. فلا بد وأن يكون اختبارًا روحيًا جديدًا أخذ يفد علي كما وفد على ذلك الاختبار الغريب في السابق. وأردت شخصًا أفضي له بهذا الأمور التي استغلق فهمها علي. وقلت لا بد لي من شخص مطلع على الكتاب المقدس يرشدني. فمن أقصد يا ترى؟ أأقصد المعرفة من أحد الخدام المسيحيين، وهذا ليس معقولا، لأنهم هم بدورهم لا يقرأون أو يكتبون، ولا يعرفون هذه الأمور التي أريد التحدث عنها. والأفضل لي أن أتصل بهم هو ضليع بمواد الكتاب المقدس ويكون متعلمًا وخبيرًا في أمور الدين.
وعلى الفور طرقت أفكاري فكرة جديدة. وحاولت في بادئ الأمر طردها من ذهني لكنني لم أستطع، لأني قلت أن هذا أحسن مصدر أستقي منه المعلومات الصحيحة عما تراء لي من أحداث غريبة تتعلق بالكتاب المقدس. وناديت منصورًا وقلت له هي السيارة واتركني أسوقها لوحدي. فقال متعجبًا: لوحدك! قلت: نعم. فذهل من هذا الأمر وتركني مكرهًا. ومن النادر أنني سقت السيارة في مثل ذلك الوقت المتأخر من المساء. ورغم أنني كنت ضابطة في الجيش الهندي الملكي لقسم النساء في الحرب العالمية الثانية، وكثيرًا ما سقت سيارات الإسعاف وسيارة الموظفين آلاف الأميال، لكن ذلك كان زمن الحرب، وفي أيام الحرب يعمل الإنسان أمورًا صعبة يتعذر عليه القيام بها أيام السلم. ولا يتوقع من النساء النبيلات في الباكستان أن يسقن سيارات في الأيام الاعتيادية لا سيما في الليل.
بيد أنني لم أشأ أن يعرف منصور ماذا أنوي أن أعمل خشية أن يشيع خبر ذهابي لبيت المرسلين لاستشارتهما في الأمر، وتسبب عن ذلك الكثير من القيل والقال. وكنت قد اقتنعت في أعماق نفسي أن أحسن مورد استسقي منه المعلومات عن هذه الأمور التي تراءت لي في أحلامي، ولها علاقة بالكتاب المقدس هما القس ميتشل وزوجته. وكانا قد زارًا حديقتي في الصيف للتفرج عليها بصحبة منصور سائق سيارتي.
أجل رغبت في الحصول على جواب بسؤالاتي: من هو يوحنا المعمدان؟ وما هذا العبير الذي يفوح حولي، والرائحة الذكية التي غمرتني وأنا أتجول في جنبات حديقتي؟! وما سر هذه الإختبارات الروحية التي أخذت تفتح أفاقًا جديدة أمام حياتي؟! وهكذا قصدت بيت هذا المرسل وزوجته، مع أنني لم أعرف الكثير عنهما سوى زيارتهما في الصيف لحديقتي. وكان أخر ما يتوقع الناس رؤيته أن أكون برفقة مرسلين مسيحيين وأنا بلقيس الشيخ من سلالة أولئك الحاكمين في الباكستان، وممن عرف عنهم أنهم من المسلمين الغيورين على دين الإسلام!
[url=http://www.om-elnor.com/vb/customavatars/avatar20688_1.gif][/url]
كانت سيارة المرسيدس خاصتي تنتظرني عند مخرج الدار. وقد وقف منصور قريبًا من بابها الذي أغلقه ليحتفظ بالدفء داخلها، لا سيما وأننا كنا في فصل الخريف، وكانت الأمسية باردة. وتطلع إلي باستفسار للتأكد من قراري بالذهاب بالسيارة بدونه. بيد أنني كنت مصممة أن أذهب لوحدي، فدخلتها وجلست قرب المقود وسقتها وسط نور الغسق الخافت، جاعلة الكتاب المقدس على المقعد بالقرب مني.
في قرية واه يعرف الواحد أين يسكن الأخر، ذلك لأن القرية صغيرة والناس يعرفون بعضهم البعض جيدًا. وعرفت أن بيت المرسل ميتشل كان يقع قرب معمل للإسمنت في ضواحي القرية. وكانت عائلتنا تستفيد من مدخل ذلك المعمل، وهذا المعمل كان يخدم المجتمع، وبالأخص الذين عاشوا على بعد خمسة أميال عن المدينة. وكانت بيوت تلك السكنة قد بنيت ليستخدمها أفراد الجيش البريطاني إثناء الحرب العالمية الثانية. ومع مرور الزمن تغير لونها وقدمت أبوابها، وتساقطت أجزاء من سقوفها فكنت ترى العطب قد بدأ يغشاها، وبانت الثقوب فيها. وأمتلأ قلبي بمزيج من اللهغة والخوف وأنا أقترب من البيت الذي كنت أقصده. وأنا لم أزر بيت مرسل مسيحي من قبل، وخفت أن يشع الخبر في القرية، ويكثر القيل والقال حول تلك الزيارة. غير أنني في الوقت ذاته كنت متلهفة لأن أعرف من هو يوحنا المعمدان، وتواقة لأجد تفسيرًا لأحلامي الغريبة، ومعنى لذلك الاختبار العجيب الذي حصل لي. وفي الوقت ذاته خشيت أن يؤثر المرسل عليّ عند محاولته الإجابة على أسئلتي.
وقلت لنفسي: ماذا يقول أفراد عائلتي عني عندما تصلهم أخبار زيارتي لبيت المرسل المسيحي هذا؟ وتذكرت أقوال جدي، وكان قد رافق القائد البريطاني نيكلسون عندما اجتاز ممر خيبر في إحدى حروبه مع أفغانستان. أنه كان يكره الاحتكاك بالمرسلين لأنهم في عقيدته يشترون ضمائر الناس بالمال. وكان أفراد عائلتنا يقرنون المرسلين بالفقراء والمنبوذين، وليس بالعائلات العريقة، وبالإشراف من علياء القوم. وفكرت بأن تلك الزيارة ربما تجلب العار لعائلتي. وتصورت نفسي أتحاجج مع عمي أو عمتي وأدافع عن نفسي بتقديم حجة الأحلام التي حلمتها والاختبار الغريب الذي حل بي سببًا لأغير ديني. على كل كنت مقررة أن أعرف معنى أحلامي الغريبة وأتزود بمعلومات أوفى عن يوحنا المعمدان، لذلك صممت القيام بتلك المقابلة والزيارة لبيت المرسل ميتشل.
كانت البيوت تتشابه كثيرًا في ذلك الحي السكني. وبعد التفتيش في الأزقة الضيقة عثرت على بيت هذا المرسل قرب معمل الأسمنت فأوقفت سيارتي على بعد مسافة من البيت خشية أن يراها أحد من سكان قرية واه واقفة أمام منزل مرسل مسيحي. وكانت هذه احتياطات اتخذتها خشية شيوع خبر زيارتي هذه عند أفراد عائلتنا. وأخيرًا قرعت الباب ودخلت حاملة الكتاب المقدس بيدي. وبدت ساحة الدار نظيفة وأنيقة. وكان المرسلون يحفظون بيوتهم بشكل مرتب ونظيف.
وفجأة فُتح الباب وخرجت جماعة من نساء القرية كنّ يرتدين اللباس الوطني الباكستاني، وقد حضرن اجتماعا مع زوجة القس ميتشل. وكان في وسعهم معرفتي لأن لا أحد لا يعرف الأخر في تلك القرية. ومن المؤكد أن النساء شاهدنني ساعة خروجهم من غرفة الاجتماع وخشيت أن تشتغل ألسنتهم بالقيل والقال عن زيارتي لبيت المرسل المسيحي. ولما مررت بالقرب مني لمست كل واحدة جبهتها بإصبعها كما جرت العادة في تبادل التحايات في الباكستان. وقصدت زيارة القس ميتشل، فلم أجده بل استقبلتني زوجته التي كانت قد أنهت اجتماعها الديني مع النساء، وأخذت تشيعهم إلى الخارج وسط الظلام. وبعد أن خلا المكان اقتربت تلك السيدة مني ورحبت بي. وهي سيدة نحيفة وأنيقة، وكنت قد شاهدتها مرة في المدينة. أما الآن فلم أتميّزها تماما، لأنها أخذت تلبس الملابس الباكستانية، والزي الهندي. لكنها عرفتني ورحبت بي ورددت القول: أهلا وسهلا بالسيدة بلقيس.اطمأنت نفسي لما دخلت البيت وتواريت عن عيون النساء. وجلسنا في غرفة الاستقبال المؤثثة بأثاث بسيط وأنيق. وظلت زوجة المرسل واقفة مقابلي بينما أجلستني على كرسي مريح. وكانت الكراسي في غرفة الاجتماع مرتبة بشكل دائرة، وقد أخبرتني أنه كان هناك اجتماع للنساء المحليات. وقالت: لا بد من فنجان شاي قبل كل شئ. قلت: جئت لأسأل القس ميتشل سؤالا. أجابت: إن زوجي ذهب في رحلة إلى أفغانستان. ولما كانت السيدة في مقتبل العمر ظننت أنها لا تستطيع الإجابة على سؤالي. لكني تجرأت وقلت لها: أتعرفين شيئا عن الله يا سيدتي؟وعلى الأثر جلست زوجة المرسل على كرسي وتطلعت إليّ باستغراب. وكان الهدوء بخيم على جو الغرفة، ولم يسمع فيها صوت سوى صوت احتراق الحطب في الموقد. وبعد فترة قصيرة أجابت: أخشى أنني لا أعرف الكثير عن الله لكنني أعرفه شخصيا. وكان هذا تصريحا جريئا ومفاجئا. فهي لا تعرف الكثير عن الله لكنها من ناحية ثانية قد عرفته شخصيا، والله يسيطر على مجريات حياتها.وزادت ثقتي بالله لدي سماع اعترافها، بسيطرة الله على مجرى حياتها وزاد يقينها بالله الحي يقيني. وبدون توقف أو تريث قلت سأطلعك على بعض من أحلامي التي أخذت أحلم بها مؤخرًا. فقد حظيت بالحلم بزيارة يسوع إلى منزلي. وبعد ذلك حضر يوحنا المعمدان. وجئت لأخذ معلومات أوفي عن المعمدان. ثم أخبرتها عن الاختبار الغريب الذي حصل لي. وعن ذلك التهيج الذي ألم بي إذ شعرت أنني أقف على قمة جبل وعلى مفترق طريق، وأمام باب وأسع للحياة.وأضفت أنني سمعت عن يسوع عن طريق القرآن الكريم لكن من هو يوحنا المعمدان؟! وحدقت السيدة ميتشل فيّ، وكأنها تريد أن تمتحني لتعرف أنني صادقة في عدم معرفة شئ عن يوحنا المعمدان. ثم أردفت قائلة: ان المعمدان كرز بمغفرة الخطايا وهو مرسل من الله ليعد الطريق للمسيح. وهو الذي قال عن المسيح: هذا حمل الله الرافع خطايا العالم. وهو الذي عمّد المسيح في نهر الأردن.وأسرعت دقات قلبي عندما ذكرت كلمة معمودية. وكنت أعرف القليل عن المسيحيين لكن المسلمين يسمعون كثيرًا عن الحفلات الغريبة التي يحتفل بها المسيحيون عند معمودية أحد منهم. وتذكرت أنه كثيرًا ما عقب معمودية أحد المهتدين من الإسلام إلى المسيحية بالقتل. والغريب أن مثل هذا كان يحدث تحت حكم الإنكليز مع أنه كان مفروضًا وجوب توفر الحرية الدينية للجميع. ومنذ صغري وأنا أقول تعمد مسلمًا ومات مسلمًا. وتابعت حديثي بقولي: يا سيدة لا انسي بأني مسلمة ورجائي أن تخبريني عما عنيت بالقول أنك تعرفين الله شخصيًا أكثر مما أنت تعرفين عنه.أجابت: أنا أعرف المسيح وهو ابن الله المتجسد الذي جاء إلى عالمنا بشكل إنسان عن الله خالقة. انه قبل أن يموت على الصليب فداء عن خطايا البشر. فقد جاء إلى عالمنا بشكل إنسان فهو الإله المتجسد وعن طريقه نحن نعرف الله معرفة شخصية. وبعد هذا رانت فترة من السكون على جو الغرفة، ولم نكن لنسمع سوى صوت سيارات الشحن وهي تمر بالقرب من المنزل. وقاطعت السكون بقولي، وكانت السيدة ميتشل أذانا صاغية متلهفة لسماع أقوالي. فقلت بعد أن التقطت أنفاسي: لقد حدثت أمور غريبة لي وأنا في حديقة منزلي مؤخرًا. ثم تراءت لي أحلام محيرة لم أجد لها تفسيرًا. وهذه الأحداث سواء أكانت حلوة أم مرة هي من عالم الروح. وإني أشعر أن نفسي في حوامة من الماء الجاري حولي، أو وسط حرب روحية. وها أنا في حاجة إلى كل مساعدة إيجابية. فهل ترغبين أن تصلي من أجلي؟!ودهشت السيدة ميتشل من هذا الطلب الذي لم تكن تتوقعه وقالت: كيف تريدين أن نصلي؟ أنصلي ونحن واقفات أم راكعات أم جالسات؟! وهذه الأشكال من الصلاة لم يكن للسيدة بلقيس عهد بها لأنها كمسلمة كانت تصلي على الطريقة الإسلامية المعروفة. وما هي لحظات حتى كانت السيدة ميتشل تخر ساجدة على أرض الغرفة، وما كان مني إلا أن تبعتها وركعت مثلها.ورفعت إلى الله صلاة مؤثرة، وكان صوتها ناعمًا. وسمعتها تقول: إن لا شئ مما أقوله يمكن إقناع السيدة بلقيس من هو يسوع. لكن شكرًا لله الذي يرفع القناع عن قلوبنا، والغشاء عن عيوننا، فنرى يسوع حمل الله الرافع خطايا العالم أمامنا. فيا روح قدس الله اغمر قلب هذه السيدة بروحك المشرق المنير لترى الله وتعرفه عن طريق يسوع المسيح، مخلص العالم وفادي الأنام. آمين.وبقيت وإياها راكعتين حتى خلت أنه مرّ دهر من الزمان علينا. وقد ارتاح قلبي لتلك السكينة التي غمرته، وشعرت في أعماق نفسي بانفراج وطمأنينة وبالفعل فق كنت في حاجة إلى مثل هذه السكينة وذلك الهدوء. وعندما نهضنا قالت السيدة ميتشل: هل الكتاب الذي تمسكينه بيمينك هو كتاب مقدس؟ وكنت أحمل الكتاب ومقربة إياه من صدري. فأجبتها بالإيجاب. عادت فسألت: هل وجدته سهل الفهم؟ أجبت: ليس تمامًا لأن الترجمة التي لدي قديمة وأنا لست معتادة عليه. وللحال توجهت إلى الغرفة المجاورة وجلبت لي كتابًا آخر وقالت: هذا عهد جديد مترجم بلغة إنكليزية حديثة. وهذه الترجمة تعرف بترجمة فيلبس اشتهرت ببساطتها وسهولة فهمها. ونصحتني أن أبدًا بقراءة إنجيل يوحنا، ووضعت في الإنجيل علامة من ورقة خاصة لتكون دليلًا. وقالت إن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا تلميذ المسيح، وهو يوضح لك أكثر ما تريدين معرفته عن يوحنا المعمدان وعن مكانته كممهد للطريق أمام المسيح.فشكرتها وقلت: لا بد وإن أكون قد أخذت الكثير من وقتل الثمين. وعندما تأهبت لأن أترك المكان قالت: جميل أن يكون حلم قد قادك إليّ. والله كثيرًا ما يتكلم لإتباعه ونبيه عن طريق الرؤى والأحلام. وفيما هي تساعدني بلبس معطفي تحيرت إذا كان من المناسب أن أطلعها عن حلمي الثاني المتعلق ببائع العطور، وقارورة الطيب وبرائحتها الذكية التي كانت حولي. وأخيرًا تجرأت وقلت: أتظنين يا سيدة ميتشل أن هناك علامة بين الرائحة الذكية وقارورة العطور التي تراءت لي في حلمي الآخر وبين يسوع ورائحته الذكية؟! وفكرت قليلًا وهي تضع يدها على مزلاج الباب وقالت: لا أستطيع الآن أن أجد هذه العلامة لكن دعيني أصلي عساني أجدها فيما بعد. وفيما أنا أسوق سيارتي وفي طريق عودتي للمنزل شعرت مرة ثانية بالرائحة العطرة التي تغمرني، وكان ما شعرت به الآن مشابها الاختبار الذي حصل لي في الحديقة حيث غمرتني نفحات من رائحة عطرة أدركت أنها منبعثة من تلك القارورة التي تراءت لي في الحلم.ولما عدت إلى البيت قرأت ما أوصتني به السيدة ميتشل ذلك الفصل من إنجيل يوحنا حيث يتكلم البشير عن يوحنا المعمدان. وكان المعمدان رجل جريئا وقد عاش في البرية، وكان يرتدي لباسًا مصنوعًا من وبر الإبل، ويتغذى على العسل، ويجوب ذلك القفر المجاور لنهر الأردن داعيًا الناس إلى التوبة وممهدًا الطريق لمجيء المسيح. وكان صوته يدوي في تلك البرية: توبوا لقد اقترب ملكوت الله. وجلست على الديوان في غرفتي، ومرت في خاطري ذكريات سبعة قرون عاشها أفراد عائلتنا. وكيف أستطيع التخلص من التقاليد، وإذا كان المعمدان علامة من الله بعثه للناس هاديا ومنبها وداعيا للمسيح الذي هو ابن الله المتجسد، فلماذا لا يكون ذلك الرجل ليدعوني أنا أيضا لاستقبال يسوع وقبوله مخلص؟! وكانت هذه فركة جريئة لم ترق لي عند ذاك فأثرت أن أنبذها من تفكيري وأظل محافظة على التعاليم التي توارثتها أبا عن جد. فاستسلمت للكرى علّ النوم يحل أزمات اضطرابي، ويهديني إلى الطريق السوي الذي يتحتم عليّ سلوكه.ونمت تلك الليلة نوما هادئًا تخللته بعض الأحلام المنعشة. وفي الصباح أفقت على صوت المؤذن، وهو يدعو إلى الصلاة وكنت قد استعدت سكينة نفس وصفاء أفكاري. أعلن المؤذن للملأ طريق الحق، فقلت: هنا السراط المستقيم، وحمدت الله أنني ابتعدت عن تأثير المسيحيين الذين يحاولن التأثير على أفكاري وزعزعة أركان إيماني. فأنا مؤمنة بالله وهذا يكفي لخلاصي ولحصولي على الراحة والاطمئنان.وفجأة حضرت ريشام ولم تكن لتجلب الشاي كعادتها بل حملت لي رسالة قالت إنها وردت الآن من السيدة ميتشل. وكل ما قالته الرسالة: أقرأي يا سيدتي العدد 14 من الإصحاح الثاني من رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس. فتناولت العهد الجديد الذي كانت قد أعطتني إياه السيدة ميتشل وبعد أن فتحت الإصحاح والآية، قرأت ما يلي: "شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين. ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان".جلست في فراشي وأعدت قراءة هذه الآيات الثمينة، وكان كياني قد بدأ يتهدم، لكن معرفة يسوع انتشرت مثل العبير والرائحة الطيبة فأنعشت نفسي. وتذكرت أنه في الحلم وضع البائع قارورة العطور على المائدة قرب فراشي. وكانت كلماته أن عبير هذه القارورة سينتشر حتى يملأ أرجاء العالم. والغريب أنه في اليوم الثاني من الحلم وجدت الكتاب المقدس موضوعا في المحل الذي تصورت فيه أنه مكان قارورة الطيب. وهكذا أتضح لي أن كلمة الله ستنتشر في كل أرجاء العالم، وأن رائحتها الطيبة ستشمل الجميع. هكذا تفسّر هذا الحلم من تلقاء نفسه ولم أدعه يشغل بالي.وكان من المناسب أن أتناول الشاي كعادتي، لأن هذا الشراب سيعيد الحياة إلى بؤرتها اللائقة بها سريعا، وتمنيت إلا يعتور ذلك السبيل شئ يعكر مزاجي أو أمور ثانية تتلف إطار حياتي السعيد. وكانت السيدة ميتشل قد دعتني أن أزورهم مرة ثانية في البيت، إلا أنني أثرت عدم القيام بتلك الزيارة في ذلك الوقت، ووجدت أن الطريق الصحيح والمنطقي هو أن أبحث بنفسي عن هذه القضايا الروحية من طيات الكتاب المقدس الذي كان بحوزتي.وبعد هذا بأيام، هرعت نورجان إلى غرفتي، ونظرات غريبة تعلو محياها. وقالت بلهفة وارتباك: لقد حضر القس ميتشل وزوجته لزيارتك وهما يرغبان بالاجتماع بك. وأمسكت أنفاسي هنيهة من الزمن وقلت في نفسي: ما الداعي لزيارة هذا المرسل وزوجته لي؟ ولأهدئ من اضطرابي قلت للجارية أن تدخلها إلى غرفة الإستقبال. ولم أكن لأجتمع بالقس ميتشل من قبل، فتأثرت من شخصيته التي دلت عليها عيناه الحادتان، وقامته العارمة. ولمست فيه نفس الدفء الذي لمسته عند زيارتي لزوجته في بيتهما. وصرح الإثناء أنهما سعيدان لرؤيتي، ولإتاحة الفرصة لهما للأجتماع بي. ويعتبرانها فرصة سعيدة أن تسمح لهما بزيارتهما في بيتها العامر.واقتربت السيدة ميتشل مني وهزت يدها بيدي، ثم وضعت ذراعها حول عنقي وعانقتني. ولم يكن أحد من أفراد عائلتنا ليتجاسر أن يعانقني بمثل هذا الشكل المحب. وقد شعرت بأنه لا يوجد أي تصنع في معانقتها هذه، ومع أنني استغربت هذا اللقاء في البداية إلا أنني الآن شعرت براحة واطمئنان. وحياني القس ميتشل بلهجته الأمريكية وقال: أنا سعيد بأن ألتقي بسيدة الزهور. قالت السيدة ميتشل: على أثر زيارتك لي أبرقت لزوجي عن زيارتك الميمونة لي. ومنذ زرنا حديقتك ونحن نتوق لزيارتك في منزلك. فلقد أعجبنا تنظيم حديقتك، وبالأزهار الجميلة التي ملأت جنباتها وأحواضها، ومنذ ذلك الوقت أي من الربيع الماضي ونحن نرغب في زيارتك شخصيا. وعندما أبرقت لزوجي عنك لم أشأ أن أستعمل إسمك الخقيقي لأبعد عنك القيل والقال. ولما اخترت بما أدعوك به تطلعت إلى الزهور الجميلة التي أينعت في المزهرية التي تملأ نافذة غرفتي، وكان البستان قد أعطاني بعض البذور من أزهار بستانك فقلت: إن أحسن ما أدعوك به هو سيدة الأزهار. وهذا هو الإسم المستعار الذي اتفقت مع زوجي أن ندعوك به. فضحكت وقلت: يكفي أن تدعوانني بلقيس.كنت أتوقع أن يضغط المرسل على لاعتنق الدين المسيحي، وأن يحاول اقناعي بمزايا المسيحية وبضرورة اعتناقها، لكن شيئا من مثل ذلك لم يحدث. وهكذا كانت الزيارة موفقة، شربنا فيها الشاي، وتبادلنا الأحداث. وإثناء محادثنا العائلية سألت القس عن السر في تسمية المسيح بابن الله لأن المسلمين يعتبرون هذا نوعا من الشرك، لأن القرآن الكريم في أماكن عديدة يصرح أن الله لم يكن له أولاد، وإشراك ابن الله مع الروح القدس مع الله يخلق فكرة للثالوث، ويجعل الله ثلاثة أشخاص. وهذا يخالف تعاليم القرآن الكريم التي تدعو إلى الوحدانية وتنص بصراحة أن الله واحد لا شريك له.وأوشح القس ميتشل في جوابه عن فكرة الثالوث بقوله: لنعتبر الله الشمس، لكن هذه الشمس تظهر بمظاهر ثلاثة. فهي نور وحرارة وإشعاع. وهذه الآفة الثلاثية تكوّن الشمس الواحدة. ولم نشأ التوسع في مثل هذه الأحاديث الجدلية، ولم يطل بنا المقام حتى تركني الضيفان. وبقيت لوحدي وليس لي ثمة رفيق أو أنيس سوى هذين الكتابين: القرآن والكريم والكتاب المقدس.أخذت أطالع هذين الكتابين بلهفة شديدة. وحاولت أن أدرس القرآن الكريم دراسة مستفيضة، لأن الكتاب الذي يوضح لي أركان ديني، ولإيماني به ككتاب منزل من عند الله، وللولاء الذي توارثته عن آبائي وأجدادي لهذا الكتاب السماوي. كان هو الكتاب المفضل وفي الوقت نفسه رغبت في مطالعة الكتاب المقدس لأروي جوعا روحيا أخذ يستحوذ علىّ. وفي كثير من الأوقات كنت ألقي الكتاب المقدس جانبا لعدم فهمي لآياته، ولأني أدركت أن هناك فيه بعض الاختلافات عما ورد في القرآن الكريم.وهكذا قضيت أسبوعا كاملا وأنا مكبة على مطالعة هذين الكتابين السماويين. أجل لقد عشت في عالم مغمور بالجمال الآسن، وحظيت ببستان روحي خلق لي وعيي الجديد في عالم الروحانيات. مهّد لكل ذلك الحلمان الغريبان اللذان تراءيا لي في منامي، والحضور الغريب لله الذي مسّ حياتي وتراء لي بشخصه وأنا أسير في حديقة منزلي. وانتابتني موجة عارمة من التلهف الداخلي لزيارة السيدة ميتشل والاستفسار عن بعض تلك الاختبارات الروحية، وتلك الأمور الغريبة التي شعرت بها. وتأكدت في الأيام التالية أن هناك طريقا معبدا أمامي للارتواء من عالم الجمال الذي خلقته لنفسي. وأتضح لي بأن قراءتي للكتاب المقدس ومطالعته ودراسته هي السبيل الأمثل للارتواء من ذلك الجمال الآسن، وهو الطريق الوحيد لولوج عالم الخير والجمال. وعالم الروح الآسنى. وفي أحد الأيام جاء محمود وهو ممسك أذنه بيده ويشكو من الألم الشديد فيها فتفحصتها بانتباه، لكن الألم كان يشتد عليه وقد أصفر وجهه، وزالت عنه حيويته ونشاطه، ورغما عن كونه لا يبكي من الآلام بسهولة إلا أنه في هذه المرة كان يصرخ من ألم أذنه، ورأيت الدموع تنساب على خديه. فطمأنته بكلام لطيف وهرعت إلى الهاتف واتصلت بستشفي العائلة المقدسة حيث تشتغل أمه. فأقترحت والدته أن نجلبه بعد ظهر الغد إلى المستشفى لأجراء فحص طبي له. وقالت أنه في وسعي أن أبقي معه في غرفة مجاورة ريثما يفرغ محمود من فحوصاته. ومن حسن حظنا أن توني كانت معفية من الواجبات في تلك الأمسية فاستقبلتنا بترحاب. وأخذت تلاعب محمود، وتسليه في كتاب ملآن بالصور المضحكة، وكنت أسمع وأنا مستلقية على فراشي قهقهة وضحكات توني ومحمود في الغرفة المجاورة. ولما كنت لوحدي في غرفتي أخذت أقرأ في الكتاب المقدس. واصطحبت معي القرآن الكريم إلا أنني كنت أقرأه كواجب وكشيء عادي، أما قراءتي للكتاب المقدس فكانت بقصد الإطلاع على بعض شخصياته، ومعرفة الله حق المعرفة، والدخول في شركة وثيقة مع الخالق ورب الوجود. وانطفأت فجأة الأنوار الكهربائية وخيم الظلام على غرفتي، ولكن المسؤولين أسعفونا بالشموع. وجاعت استجابة أشواق قلبي. وأردفت الطبيبة قائلة: يبدو أنك تريدين أن تجعلي الله إلها شخصيا لك!وامتلأت عيناها بالدموع وانحنت نحوي بكل رقة وحنان وهي تقول: يا سيدة الشيخ أن هناك سبيلا واحدا للخطوة بمعرفة الله وهذا السبيب يجب أن تسلكيه لوحدك. وفي وسعك معرفة الله شخصيا إذا سعيت بنفسك وراء هذه الغاية. ويظهر أنك مؤمنة، فماذا لا تصلين لهذا الإله الذي تنشدينه؟! تحدثي إليه وكأنه صديقك.جلست في فراشي وقد خيّم السكون على المكان. ولم أعد أسمع صوت توني ومحمود في الغرفة المجاورة. وحدقت بالراهبة الطيبة العطوفة وأنعكس ضوء الشمعة على نظاراتها وباتت كملاك هابط من السماء وقلت: أتقترحين أن أتحدث مع الله كأنه أبي؟ هذا ما تجدينه هو السبيل الأمثل لحصولي على راحة البال، وسكينة النفس! وبالفعل فقد هزت هذه الفكرة كياني وتأثرت منها بنفس الشكل الذي تأثرت من ذلك الاختبار الغريب الذي حصل لي، والرؤيا المجيدة التي تراءت لي. والظاهر أنني اهتديت لحل مشكلتي، وباتت الحقيقة واضحة الآن أمامي.والغريب أن الراهبة لم تذكر لي شيئا عن الصلاة عند المسيحيين. لكني بقيت طوال الليل قلقة وأنا أفكر بالصلاة إلى الله ولقد دعوته أبا لي. وما جعلني أزداد حيرة أن الأطباء لم يجدوا شيئا في أذن محمود يسبب له ذلك الألم الشديد. وفي الوقت نفسه توقف محمود عن شكواه بأن أذنه تؤلمه. فاستغربت هذه الأمور وقلت أن سرًا خفيًا يكمن وراء كل ذلك. فقد يكون الله بطريقته العجيبة الخاصة أستخدم هذه الأمور ليجمعني بالطبيبة الوقورة سنتياغو. وجاء السائق منصور في اليوم الثاني بسيارة المرسيدس وعاد بي وبمحمود إلى المنزل في بلدة واه. وشاهدت سطح بيتي حالما تركنا الطريق العامة، واقتربنا من حديقة الدار التي نمت فيها الأشجار العالية. وكنت دوما أنشد هذا المنزل كمكان للخلوة والاعتزال، وكبقعة للتأملات الهادئة وكواحتي في الحياة. وعندما اقتربنا من البيت هرع الخدام لاستقبالنا واحاطوا بالسيارة مستقسرين. فطمأنتهم بأن حالة محمود جيدة، وأنه لم يعد يشكو الماّ في أذنه، بيد أن فكري لم يكن متجها للاستقبالات ولا مشغولا بالاستقسارات، بل جل ما أشغل تفكيري وأستحوذ على مشاعري هو كيف أستطيع أن أجد الله وكيف أتبره لي أباّ.وبعد أن وصلنا البيت صعدت إلى غرفة نومي، واتعزلت عن الجميع في تلك الخلوة وأخذت أفكر في طريقة أجد فيها الله. وقلت في نفسي: قلما يفكر المسلمون بأن الله هو أبوهم السماوي. ومنذ طفولتي علموني أن أحسن طريقة لإرضاء الله هي أن أقوم بالفروض الدينية، وأن أصلي خمس مرات في اليوم. ثم كان مفروضا عليّ أن أطالع القرآن الكريم لأنه كتاب الله المنزل من السماء. لكن هذه الأمور لم تفدني في الاهتداء لمعرفة الله شخصيا. وظلت كلمات الطبيبة تتردد في أذني: تكلمي مع الله وأعتبريه أباَ لك!وعند منتصف الليل أفقت من نومي لأن ثاني يوم كان عيد ميلادي. فيوم 12 ديسمبر قبل سبعة وأربعين عامًا رأيت النور لأول مرة، واستقبلت وجه هذه الحياة. وعادة في أيام أعياد الميلاد يبتهج صاخب العيد لأنه يتذكر طفولته وذكريات سابقه، وإحساسات لأزمته منذ نعومة أظفاره. وفعلا فأنه عندما كان يحين عيد ميلادي كانت تقام احتفالات وتجري استقبالات في بيتنا، ويتوافد على بيتنا العدد الكبير من أفراد العائلة للتبريك وللاشتراك في حفلات الميلاد. أما الآن فلا احتفالات أو مهرجانات، وقد نتبادل التحيات مع الأهل والأصدقاء على الهاتف لا أكثر ولا أقل. وهكذا تحسرت في نفسي كيف أنني خسرت أفراح الصبا واحتفالات الماضية.وفكرت في والديّ لأنهما يحتلان المكانة الرئيسية في تفكيري. فاستعدت ذكري أمي الراحلة، وتحسرت على ما خسرته من عطف وحنان. ثم تذكرت أبي، وكان من الرجال الذين تفتخر بهم ونعتز فيهم. فهو قد حصل على رتب رفيعة في الحكومة الهندية زمن حكم الإنكليز. وتصورته ببزّته الرسمية، وبعمامته البيضاء وهو يقف أمام المرآة قبل ذهابه إلى مكتب عمله. وكان يشملني بعطفه وبمحبته. فنظراته الودية كانت تملأني حبا، وعيناه البراقتين يسحرانني من فرط محبته لي. ثم أن ضحكته اللطيفة وهيئته الكاملة وشخصيته الجذابة كانت تفترض على الجميع أن يحبوه وأن يحترموه.وتذكرت عند رؤيتي إياه في مكتبه وكيف كان يحنو على ويعطف بي، ومع العلم أن المجتمع عند ذال كان يؤثر الصبيان على البنات، لكن والدي كان يتطلع إلى الصبيان والبنات على السواء. وكطفلة صغيرة كنت أحوم حول مكتبه راغبة في الاستفسار عن بعض الأمور. فكان عندما يراني يترك قلمه جانبا، ويناديني فأدخل مكتبه وأنا خجولة منحنية الرأس. ولكنه سرعان ما يبتسم لي ويضع كرسيه قرب كرسيّ ويقول: يا حبيبتي الصغيرة اقتربي مني. ثم يضع يده على عنقي وهو يقول ماذا تريدين أيتها الحبوبة الصغيرة أن أعمل لك؟ ولم تتغير معاملته اللطيفة لي حتى لما كبرت. وعندما كان لدي سؤال أو بدت مشكلة أمامي كان يترك شغله جانبا ويحاول الإجابة على أسئلتي. وهكذا في منتصف الليل دلفت هذه الذكريات عن والديّ في ليلة عيد ميلادي. فشكرت الله على ذينك الوالدين الممتازين اللذين أنعم بهما عليّ. وفيما أنما أشكر الله شعرت أنني أتحدث مع أبي السماوي. وقلت في نفسي لقد فقدت أبي الأرضي لكن بقي لي الأب السماوي.وقجأة برقت شعاعة من الرجاء أمامي وقلت في نفسي: لماذا لا أفرض أن الله هو الأب العطوف عليّ، وعلى جميع الناس. فإذا كان أبي الأرضي يترك أشغاله جانبا ويصغي إليّ فلماذا لا يكون الأب السماوي مثله؟! فالله هو أب الجميع وهو رحمن رحيم. وإله محبة وعطف وحنان. وللحال أصابتني رجفة واهتاجت مشاعري فركعت على ركبتي فوق سجادة صغيرة وتطلعت إلى العلاء. وبتفهم جديد وبأسلوب رقيق دعوت الله أبي عندما استغرقت في صلاتي. لم أكن مستعدة لمثل هذا الاعتراف تماما لكن هذا ما جرى لي. وهذه كانت صلاتي إذ تجرأت فدعوت الله أبّا!!
وأخيرًا بعد تردد وحيرة نطقت بالتحدث مع الله. وكأن بركانا تفجر داخل كياني، ووجدت نفسي واثقة بأن هذا الإله الذي دعوته أبّا بدأ يسمعني. ومثلما كنت أنادي أبي الأرضي أخذت أدعو بلهفة الأب السماوي، وصرخت من أعماق قلبي: يا الله أبي! وبدأ صوتي عاليا أكثر من المعتاد، لا سيما في تلك الغرفة الصغيرة حيث أنام. وفي ذلك المكان ركعت على السجادة الصغيرة التي اعتدت أن أصلي عليها وكانت على مقربة من فراشي، ولم تكن الغرفة خالية لأني تأكدت أن الله موجود فيها. ولشدّ ما تستطعت أن أتلمس حضورة الإلهي، وأن أشعر بأن يده الحنونة تلمس أهداب شعري. ورأيت عينيه المملوءتين بالمحبة والحنان تتطلعان إليّ. وهكذا قضيت وقتا طويلا وأنا راكعة أصلي، وما أسرع ما أخذت أعوم في بحر محبته!!
اعتذرت لله لأني لم أكن لا عرفه من قبل. ورغم ذلك فحبه الشامل الآن يغمرني ورحمته تشملني. ولاحظت أن حضور الله كان شبيها بذلك الحضور الرائع الذي اختبرته في حديقة منزلي، وهو يشبه ذلك الحضور الإلهي الذي تمثل لي وأنا أطالع الكتاب المقدس، والإنجيل الظاهر. وأخذت أتحدث مع الله الأب وقلت: يا أبتاه أنا مرتبكة، وعليّ أن أسوي بعض المشكلات الآن. ودنوت من المائدة التي أضع عليها الكتابين العزيزين القرآن الكريم والكتاب المقدس جنبا إلى جنب، وأمسكت الكتابين ورفعتهما إلى فوق. كل كتاب منهما في يد. وقلت أجبني يا إلهي أي كتاب هو كتابك الحقيقي؟!
[b][size=21][font=arial][color=darkgreen]وعلى الأثر حدث شئ غريب لم أكن أتوقعه أول عه
عدل سابقا من قبل St.Mary'Son في الإثنين 30 أغسطس 2010, 12:52 pm عدل 1 مرات (السبب : حذف تشوهات بالموضوع نتيجة للنقل المباشر) | |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: كيف عرفت ابويا 3 الإثنين 30 أغسطس 2010, 2:26 pm | |
| | |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: كيف عرغت ابويا 4 الإثنين 30 أغسطس 2010, 5:51 pm | |
| | |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: كيف عرفت ابويا 5 الإثنين 30 أغسطس 2010, 7:18 pm | |
|
[url=http://www.om-elnor.com/vb/customavatars/avatar20688_1.gif][/url]
رد: أقدر أقوله يا بويا ورويدا رويدا بدأت أتعلم كيف أعيش مع المسيح حياة صحيحة. وبدأت أروض نفسي بأن أجعله رفيقي الدائم. ولم يكن هذا سهلا علي في بداية، إذ كثيرا ما كنت أزوغ عن الطريق المستقيم، أما المهم أنني استفقت إلى هذا الأمر الخطر وصممت أن أسلك السلوك الصحيح مهما كان السبيل إليه صعبا وعسيرا. ومع الوقت اكتشفت الفائدة العملية من هذه المحاولة. وحاولت بكل قوتي أن أطبق الوعد الإلهي القائل: اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وكل هذه تزاد إليكم (متى 33:6). وكنت أردد في أعماق نفسي إذا وضعت الله في رأس قائمة حياتي. فجميع حاجاتي الأخرى ستلبى لي أن عاجلا أو أجلا. وحدث ذات يوم أن جاءت ريشام إلى غرفتي ودلت ملامح وجهها على شئ من الارتباك وقالت لي بأن سيدة تروم مقابلتي وهي في غرفة الاستقبال. وسألتها إن كانت تعرف السيدة. أجابت: تظن إنها أم كريم. فقلت لها أنت غلطانة لأن أم كريم لا تقوم بزيارات وهي في غمرة أحزانها وتلبس الحداد على ولدها الراحل. فنزلت إلى الطابق الأسفل لأرى بنفسي، عندما لمحتها عرفت إنها بالفعل هي أرملة ابن عمي كريم. وحالما سمعت وقع إقدامي تقدمت مني وعانقتنا وقالت: لقد جئت بنفسي لأقول لك أن وجودك في الجنازة كان سبب تعزية كبيرة لي. ولم أستطع أن أقول ذلك يوم الجنازة لأن لم يكن لدي مجال لذلك. إنني شعرت عند حضورك أن شيئا جديدا وخاصا تسرب إلى حياتي. ولمت نفسي لأني لم أكلمها عن يسوع يوم الجنازة لكنها كانت في غمرة أحزانها والجو لم يكن مواتيا. أما الآن فهي عندي في غرفة الاستقبال فسوف أحدثها ماذا يعنى يسوع لي وكيف أنه ساعدني لتغيير طرق حياتي القديمة. وكيف أنه منحني شخصية جديدة تستمد حيويتها وكيانها من عبير روحه الكي الرائحة. وصرحت لي أرملة كريم أن زيارتي لها يوم الجنازة كان لها أثر كبير على نفسها وهي عنت الشئ الكثير لها. وقد جئت لأشكرك لشعورك معي يا بلقيس وحضورك بشخصك لتعزيتي! وهكذا انتهت هذه الزيارة القصيرة التي بدت لي ممتازة لا سيما أنها اتاحت لي أن أشهد لتلك الأرملة عن المسيح.ولقد كان لهذه الزيارة المفاجئة أثران كبيرا: الأول أن شخصا آخر لاحظ التغيير الذي طرأ على حياتي بعد إيماني بالمسيح مخلصا وفاديا. والثاني توقعي أن تكون تلك البادرة فاتحة لإنهاء المقاطعة العائلية عني. وإن كانت تلك المقاطعة لم تنته بسرعة لأن لا أحد من العائلة زارني أو حدثني على الهاتف. وكلما قرع جرس الهاتف توقعت أن يكون المتكلم أحد أفراد عائلتي لكنه كان دائما أحج الأخوة المسيحيين. ودهشت عندما سمعت صوت أم ابن عمي الذي توفى مؤخرا وحضرت جنازته. فقالت لي تلك السيدة الثاكلة: إنني أستحسن المساعدة المعنوية التي قدمتها لزوجة ابني الراحل يوم جنازته فقد أخبرتني أنها تأثرت منك في أعماق قلبها وتكلمت إلى روحها بكلمات المحبة والعطف والمتبادل. وتجاه هذا الإطراء قلت أنا لم أفعل شيئا بل إن المسيح هو الذي عمل كل ذلك. وهكذا فإن وجودي مع المحزونين ساعة حزنهم جلب التعزية إلى قلوبهم. وهذا عمل الروح القدس المعزي لأن عملي لا يقارن بما يعمله المسيح لأولئك الحزاني. فهو الرفيق المساعد والروح المعزي للجميع.وطوال الأسبوع الذي احتفل فيه محمود بعيد ميلاده السادس توافد الزائرون علينا من الأصدقاء والأقارب. ورغم أن زيارتهم كانت قصيرة إلا أنهم قصدوا مشاهدة محمود وتهنئته بعيد ميلاده وقد جلبوا له بعض الألعاب والحلوى. وإن كانت حجتهم الظاهرية رؤية محمود وتهنئته إنما قصدهم الحقيقي كان تخفيف آلام المقاطعة العائلية عني. وبذلك أزالوا ذلك الجدار الذي حجب الكثيرين من الأقارب عن التقرب مني. وفي ذلك الوقت كان قد مرّ عام كامل على قرار قبولي دعوة المسيح لأكون من إتباعه واحدي تلميذاته.وتطلعت بشوق ولهفة إلى عيد ميلادي وهو يصادف عيد ميلاد المسيح. وقلت سأحتفل بهذا العيد بفرح زائد لأنه يكون قد مر عليّ عام كامل وأنا مسيحية. وكنت قد شاهدت الاحتفالات بعيد الميلاد في أوروبا عندما كنت أعمل مضيفة في تلك البلاد، ولم أكن أدرك عند ذاك المعنى الحقيقي لذلك العيد. فقلت الآن أنا مسيحية وعيد ميلاد المسيح هو عيد ميلادي للحياة الجديدة في المسيح. واستعرت من بعض الأخوة المسيحيين مغارة اصطناعية تمثل الرغيان. وعندما جاء المرسل ميتشل وزوجته جلبا لي شجرة سرو حية، فزينتها بالشموع والشرائط البيضاء. واجتمعنا حولها ورنمنا ترانيم ميلادية واحتفلنا نحن الأسرة الصغيرة بعيد ملك المجد. ولن أنسى رؤية محمود وهو يرقص فرحا ويقفز من شدة سروره بعيد ميلادي وميلاد المسيح.واكتشفت بعض الخطأ في تصرفات الناس في عدم فهم المعنى الحقيقي للعيد, فأنه رغم البهجة التي ترافق هذه الأعياد لا يشعر الكثيرون بالمعنى الحقيقي لميلاد المسيح. وقلت في نفسي لماذا لا يكون لعيد الميلاد معنى غير هذه المظاهر الخارجية والزينات والبهرجات؟ لماذا لا يعبر هذا العيد عن التغيير الذي حدث فى حياتي! وعليّ أن أبرهن أن العيد له معنى روحي. ولأبرهن على ذلك سوف أقيم حفلة عامة أجعلها مشتركة للجميع وأدعو إليها أهل البلدة وبعض الأخوة المرسلين ليشعر الجميع حقيقة بمولد ملك المحبة يسوع. وفيما أنا أفكر بإقامة حفلة مشتركة أدعو إليها الأغنياء والفقراء إذا بشئ داخلي يقول لي: ألم تسمعي يا بلقيس الانذارات التي وجهت إليك بألا تجعلي إيمانك يظهر علانية للناس! وتذكرت ما قاله الجنرال عامر لي لدي زيارته لي: لا أستطيع أن أقدم لك الحماية إذا وقعت في خطر وحدث عليك اعتداء مع دمت تصرين على إعلان ارتدادك عن الإسلام.أجل أن حفلة ميلادية مفتوحة للجميع ستجعلني عرضة لتهديدات متنوعة. وقلت: لماذا لا أستشير ربي وإلهي؟ فصليت وجاءني هاتف من السماء قائلا: إن حضور الأب السماوي سيكون أبرز إذا قمت بحفلة عامة أحياء لذكري ميلاد ملك المحبة ورب المجد يسوع المسيح. وعلى أثر ذلك قررت أن أقيم حفلة عامة مشتركة احتفالا بميلاد الرب يسوع. وحضر الكثيرون من المدعوين وتجمعوا حول شجرة الميلاد في غرفة الاستقبال.
تاريخ
| |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: الجز الاخير من كيف عرفت ابويا الثلاثاء 31 أغسطس 2010, 9:15 am | |
| | |
| | | St.Mary'Son وســــــــام كبار الشخصيـــات
شفيعـي : الملكة والمناهري المزاج : طالب صلواتـــكم الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: رد: كيف عرفت ابويا الثلاثاء 31 أغسطس 2010, 2:56 pm | |
| شكرا علي النقل اخ افرايم
تم دمج الردود في موضوع واحد للتيسير علي الجميع قرائة الإختبار في موضوع واحد | |
| | | فرايم حبيب خـادم أم النــور
شفيعـي : دائمه البتولية الهواية : [table style="WIDTH: 150px; HEIGHT: 100px" border=3][tr][td][أولاد أم النور][/td][/tr][/table]
| موضوع: رد: كيف عرفت ابويا الثلاثاء 31 أغسطس 2010, 4:46 pm | |
| كان دة اختبار كامل كل فصل فيه لو قراتة بعمق ترى كيف يد الله كان يترك كما هو لعمق المعرفه لو تعرف انا قراتة مرتين وتلك ليس من عادى فى اى موضوع ولكن للتعمق ومعرفه الصراح بين الانسان والله وفى النهايه تنتطر ارادة الله والتسليم المطلق له فى النهايه يوصل الى النجاة من كل شر والاتكال على الله والبحث عن ماذا يريد منا الله | |
| | | | كيف عرفت ابويا | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| المواضيع الأخيرة | » صلوات الاجبية للشماس جرجس فلتاؤس ... بتحميل مباشررررررررررالخميس 26 أكتوبر 2023, 3:02 am من طرف Mina Habib» بإنفراد تام تحميل جميع مواسم مسرح العرائس المابيت شو الخمسة كاملة / The Muppet Show Full season 1- 5الأحد 27 مارس 2022, 9:37 pm من طرف Minakiwane» معجزة مسجلة فى صورة لقديس معاصرالأربعاء 18 أغسطس 2021, 5:57 pm من طرف مكرم زكى شنوده» تحميل الأناجيل الأربعة مرتلة بصوت المعلم ابراهيم عياد علي أكثر من سيرفرالثلاثاء 25 مايو 2021, 1:25 pm من طرف aboud241» هل قال سفر التكوين بالبرقع – مراجعة على اللغات القديمةالأحد 19 يوليو 2020, 10:17 pm من طرف مكرم زكى شنوده» كتاب خدمة الشماس للتحميلالإثنين 01 يونيو 2020, 2:44 pm من طرف duosrl» فيلم بطرس الرسول::::::::::: بطولة الفنان عمر الشريف ::::::::::::::: مفاجااااااااااااااااأةالأربعاء 13 مايو 2020, 10:41 pm من طرف remohalem» تثبيت صامت + تفعيل تلقائي للعملاق NOD32 Anti-Virus 4.2.58.0 + ESET Smart Security 4.2.58.0_Silent السبت 18 أبريل 2020, 11:23 pm من طرف remohalem» فيلم الرداء السيد المسيح لاول مرة علي النتالخميس 09 أبريل 2020, 1:53 am من طرف roma333» مسابقة فى انجيل مارمرقس...الخميس 30 يناير 2020, 8:03 pm من طرف مكاريوس نعيم» هل أوصاف عروس سفر النشيد تعنى إمرأة حقاً؟السبت 11 يناير 2020, 10:45 am من طرف مكرم زكى شنوده» دراسة الإنجيل عن: -1-البرقع -2-هُدب الثوب ، فى القبطية السبت 11 يناير 2020, 10:42 am من طرف مكرم زكى شنوده» الفلم العالمي" كينج ديفيدالثلاثاء 24 ديسمبر 2019, 12:34 am من طرف عزت شفيق مينا» فيلم :::::::::::::::: يهوذا ابن هور :::::: مترجم وكاااااااااامل... للاستماع والتحميلالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:00 pm من طرف عزت شفيق مينا» اسكتش عيد القيامة ونصوص مسرحيات كتييييييييييييير عن القيامةالأحد 24 مارس 2019, 5:08 pm من طرف Mina Tarek |
تدفق ال | |
|