[size=29]
كلمه واجبه
متى تنتهى حكايه الاقليه والاغلبيه الدينيه فى مصر؟ متى ينتهى
عن التفكير بالفئة.. نعمم فيها سلوك أفراد علي مجموعات كبيرة من الناس؟ ومتي ندرك حقيقة التاريخ والجغرافيا,
وهي أن مصر بلد يسع علي أرضه جميع المصريين, بل ومن يحبهم, ويحترم تقاليدهم ودياناتهم وقوانينهم وثقافتهم؟
ليس مصريا خالصا كل من يصنف المصريين علي أساس المعتقد أو العرق أو الجنس, طلبا لفتنة لاتصيبن فقط الذين اجترأوا علي أمن هذا الوطن ومصالحه. مؤامرات خارجية وبقايا قبلية دينية لاتزال تعمل بيننا, تشعل فتيل الأزمات كلما أصابها الرشاد والعقل, وانحسرت إلي مكانها الطبيعي. مقالة قصيرة نشرها أحد الزملاء في الأهرام حول الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة العمرانية سفحت دماء شابين مصريين. حملت كلماتها بعض تجاوزات جاءت من باب الاجتهاد والخوف أن تتكرر الأخطاء وتشتعل الأزمات
أثارت هذه المقالة بعض إخوة الوطن فتوالت ردودهم غاضبة وشديدة الانفعال. بعضها كان من أجل مصر التي احتضنت أبناءها من المسلمين والمسيحيين منذ أزمان بعيدة, وبعضها راح يجتر مشكلات عالقة, وبعضها وجدها فرصة للتذكير بأحداث كان صانعوها أفرادا أو جماعات صغيرة هنا وهناك.
وأقدر جيدا كل الردود التي تلقيتها. وكنت أتمني لو أن الأمر ظل في حدود ماوقع في شغب العمرانية من أخطاء وخروج علي القانون ومحاسبة الذين أشعلوه, ولكن شيئا واحدا فقط جاء بي إلي الكتابة في هذا الموضوع, وهو ما يتعلق بقداسة البابا شنودة الذي عرفته منذ سنوات طويلة.
سنوات ربطت بين رجل علم وثقافة ودين من طراز رفيع.. وطني يحتل مكانته بين أبرز الوطنيين المصريين المعاصرين, وبين مؤسسة الأهرام التي تعمل من أجل وطن يسع الجميع حبا وتسامحا وسعيا من أجل حياة أفضل لجميع المصريين.. لم تكتف الأهرام يوما بأفكار البابا شنودة تنطلق من صفحاتها إلي القراء في كل أنحاء العالم, وإنما دعته مرات ومرات إلي فعالياتها.. يناقش ويحاور حول قضايا الوطن. في قاعات الأهرام وقف قداسة البابا يتحدث عن مشكلات مصر التي تعترض سبل تقدم المصريين.. تحدث عن خطيئة الأمية في مصر, وهي الأرض التي أهدت البشرية أول أبجديات الكتابة
وفي القاعات ذاتها وقف قداسته يشرح ويناقش مشكلات التكدس السكاني في مصر ويبسط للجميع رؤيته الدينية والاجتماعية والاقتصادية لأبعاد أخطر مشكلات مصر. كان حديثه في كل المرات يفيض وطنية مصرية تسكن أعماقه.
لقد أثبت البابا شنودة في كل موقف أنه أكبر من صفحات يحملها التاريخ القبطي الكنسي, وإنما هو أيضا صفحات في ملحمة الوطنية المصرية حربا وسلاما. وقف ضابطا في ميادين العسكرية المصرية, ومثل كل المصريين درس الشعر وقرضه وأبحر في التاريخ العريض لأمته, وأمسك بأطراف ثقافة بلاده, وعرف ثقافات المحيطين بها. بكل تلك المقومات الثقافية والوطنية ولي أرفع المناصب الدينية القبطية, فكان مدرسة في الوطنية القبطية, رافدا يدعم الهوية الوطنية المصرية. هو أرفع قدرا وأعظم تاريخا من أن ينال منه مغرض. فالرجل بفكره وثقافته وسماحته ووطنيته ملك للمصريين جميعا, وعطاء من عطاءات أرضها للحاضر والمستقبل.
في حرب أكتوبر كان بردائه الكنسي يتفقد جبهة القتال, حيث المصريون وقوف في أشرف معركة, وفي المستشفيات راح يلثم وجوه الجرحي من المصريين, وفي مقره البابوي راح يكرم الذين جاءوا بالنصر من المصريين أيضا. أعلن باسم الأقباط أننا لن ندخل القدس وهي محتلة, وقال قولته الشهيرة علي صفحات الأهرام: من يريد زيارة الأماكن المقدسة فعليه أن يزور مصر التي باركها الله. وقف طوال تاريخه في وجه أي محاولة للتدخل الأجنبي من باب الأقلية القبطية المزعومة.
إن تاريخ ومكانة قداسة البابا شنودة أرفع كثيرا من شغب ينشأ هنا أو هناك بأخطاء نفر قليل من المصريين أيا ما كانت عقيدتهم. ومثل البابا شنودة لايخضع لتقييم فرد مهما بلغ قدره, ومهما كان رأيه, وأحسب أن البابا نفسه يعلم ذلك في ظل الظروف التي نعيشها. فالأجيال العريضة من المصريين هي وحدها التي تقول كلمتها في رجل بمثل قامته. فكم اجترأت أقلام علي رموز دينية إسلامية رفيعة, وكم اتهم الإسلام بالإرهاب والمسلمون هم أكثر ضحاياه. وكم اكتوينا بنيران أطلقها مسلمون بشطط الفكر وظلام التعصب. وبمثل عطاء البابا شنودة سوف نتجاوز مكائد البعض وشطط الآخرين.
[/center]