آثار تفجيرات كنيسة الإسكندرية
اهتمت الصحف العالمية الصادرة، اليوم الأحد، برصد تداعيات الهجوم الوحشى
على كنيسة القديسين بالإسكندرية بعد دقائق من بدء العام الجديد، وأجمعت
الصحف الأمريكية والبريطانية على أن هذا الحادث هو الأسوأ ضد المسيحيين فى
مصر، وذهب بعضها إلا القول بأنه الأكثر دموية.
صحيفة "نيويورك تايمز" تابعت الهجوم الذى أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 21
شخصا حتى الآن وإصابة العشرات، ووصفته بأنه أسوأ هجوم ضد الأقلية المسيحية
فى مصر فى الذاكرة الحديثة.
وقالت الصحيفة إن الدماء كانت واضحة بشكل كبير على الجدران الأمامية
للكنيسة التى كانت مثقوبة أيضا بفعل الإنفجار، وفى الجهة المقابلة للكنيسة
كانت جدران المسجد المواجه لها ملطخة بالدماء، ونقلت الصحيفة عن شهود عيان
وصفهم كيف تناثرت أشلاء الجثث فى الشوارع.
ورصدت الصحيفة رد الفعل الحكومى على هذا الاعتداء، والمسارعة بإلقاء
المسئولية على إرهابيين أجانب والدعوة إلى الوحدة الوطنية كما جاء فى
الكلمة المتلفزة التى ألقاها الرئيس حسنى مبارك .
وتطرقت الصحيفة كذلك إلى الصدامات التى وقعت بين الأقباط الغاضبين وبين
قوات الأمن التى تجمعت خارج الكنيسة، ورأت أنها تذكر بما أسمته الصراع
الداخلى المستمر منذ فترة طويلة، وأشارت إلى أن أعمال العنف المتكررة بين
المسلمين والمسيحيين الذين يمثلون 10% من إجمالى سكان مصر قد أدت إلى
اتهامات للحكومة بأنها تتجاهل حدوث فجوة طائفية خطيرة وهو ما أدى إلى
تفاقمها، غير أن المسئولين يلقون بمسئولية هذا العنف على الصراعات المحلية
ويرفضون الحديث عن وجود توتر طائفى.
ورأت نيويورك تايمز أنه يكاد يكون هناك شبه اتفاق على أن هذا الهجوم، بسبب
ضراوته واحتمال تورط شخص انتحارى، يمثل شيئاً جديداً، فيقول ضياء رشوان من
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن هذا الاعتداء يمثل طريقة
جديدة، فهو يحمل بصمات القاعدة، وأعرب عن اعتقاده أن مجموعة من المصريين هم
الذين خططوا له منذ فترة.
من ناحية أخرى، تشير الصحيفة إلى أن المقابلات التى أجرتها مع أفراد من
خارج الكنيسة كشفت عن مجتمع ممزق. فبعض الناس الذين عرفوا أنفسهم بأنهم
مسيحيين سارعوا إلى اتهام "المصريين" بالوقوف وراء الهجوم، فى حين قال
المسلمون إنه تخطيط من الخارج".
أما صحيفتا "واشنطن بوست" و"واشنطن تايمز"، فاعتبرت أن هذا الحادث هو
الأسوأ ضد الأقلية المسيحية فى مصر خلال عقد من الزمان.وأضافت إنه على
الرغم من أن الحكومة المصرية طالما أصرت على عدم وجود شبكة الإرهاب على
أراضيها، وأن القاعدة لم تقم بتنفيذ أى هجوم فى مصر، لكن فى حال ثبت تورطها
فى هذا الهجوم فإن يثير احتمالات تهديد أمنى جديد وخطير داخل البلاد.
ووصفت الصحيفة هذا الهجوم بأنه مختلف بشكل دراماتيكى عن الهجمات الماضية ضد
المسيحيين والتى شملت حوادث إطلاق نار دون أن تكون هناك تفجيرات خطيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن أحداث العنف الطائفى ليست جديدة على مصر، لكن الحادث
الأخير الذى وقع فى الساعات الأولى من 2011 كان الأكثر دموية مما سبقه من
أحداث. ولفتت إلى أن المسئولين المصريين سريعا ما خرجوا ليؤكدوا أن الحادث
ضد كل المصريين فى محاولة واضحة لمنع التصعيد الطائفى.
واتفقت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مع باقى الصحف الأمريكية، وقالت إن الحادث
كان الأكثر دموية على مسيحى مصر فى السنوات الأخيرة كما أنه أسوأ حادث
إرهابى تشده البلاد منذ عام 2006.وأضافت أن الحادث هو الأحدث فى سلسلة
الهجمات المروعة التى استهدفت مسيحى الشرق الأوسط وسط تزايد الخطر الذى بات
يلاحقهم.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أن هذا الانفجار، الذى كان يستهدف حصد أقصى عدد من أرواح المدنيين، تبدو عليه سمات عمليات القاعدة.
وفى صحيفة "صنداى تليجراف" البريطانية، قدم الكاتب المتخصص فى الشئون
المصرية هيو ميلز تحليلا حول الهجوم الذى استهدف أقباط مصر بينما كانوا
يستقبلون عام 2011، قال فيه إنه سيثير مشاكل أبعد مما هو متوقع لحكومة
الرئيس مبارك.
ويشير إلى أنه بالنسبة للحكومة المصرية، فإن الخطر الأكبر من تصاعد التوتر
الطائفى هو التأثير على عائدات السياحة التى تمثل واحدة من حصون الإقتصاد
المصرى. وهذا قد يشرح إلقاء وزارة الداخلية، المعتاد، باللوم على عناصر
خارجية فى أى هجوم دون دليل واضح يدعم مزاعمهم. فتاريخيا، لا يوجد تواجد
قوى للقاعدة فى مصر حيث تشتد قبضة الأمن.
ويضيف أنه فى ظل الحرمان الإجتماعى والفقر المنتشر على نطاق واسع، فإنه ليس
من المستبعد أن نتصور قيام محليين بممارسة مثل هذه الأعمال، خاصة أن
الكثير من الشباب المصرى يعتقدون أن عليهم واجب الدفاع عن الإسلام ضد ما
يعتبرونه هجوما مسيحيا يهوديا مشتركا.
والخطر الآخر للحادث من منظور الحكومة، فى تلك البلاد التى تعانى من القمع،
الإحتجاجات العنيفة والغاضبة التى أعقبت هذا الهجوم الوحشى والتى من
الممكن بسهولة أن تثير مشاعر مناهضة للحكومة نفسها بما قد يؤدى إلى
إضطرابات مدنية. كما أن الحادث جاء فى وقت تتصاعد فيه الإضطرابات السياسية.
ويرى ميلز أن الغرب بشكل عام يعتقد أن المخاطر السياسية التى تحيط بمصر
يمكن التحكم فيها. ولأن البلاد شهدت استقرارا طويلا بصفتها حليفا رئيسيا
للولايات المتحدة وتعتمد بقوة على المساعدات والتجارة الغربية، فيفترض أن
أى حكومة لا خيار لها سوى تبنى ما هو موالى للغرب.
ويختم الكاتب تحليله بالقول إنه على الرغم من أن خطر إنتشار التوتر فى
البلاد خلال الإنتخابات الرئاسية هذا العام لا يزال محدود، لكن هذه الهجمات
تضيف له.