متعة الروح في القيامةوهي في السماء
بقلم مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
أهنئكم يا أخوتي وأبنائي بعيد القيامة المجيد، متمنياً لوطننا العزيز مصر كل خير وبركة، وبعد:
فيما نحن نحتفل بعيد القيامة، يسرني أن أحدثكم عن متعة الروح بعد القيامة وهي في السماء.
متعة الإنطلاق
الروح الآن حبيسة في الجسد، في هذا القفص المادي. وبينما الروح كيان خفيف يتميز بالشفافية، فإن الجسد مادي يتصف بالثقل. والجسد يحاول أن يسيطير على الروح ليجذبها إلى ماديته، والروح تقاوم. فبينهما صراع. إن إنتصرت الروح، ترتفع بالجسد إلى فوق. وإن إنتصر الجسد، يهبط بالروح إلى لذة المادة وإنفعالاتها.
حتى في المعرفة، الجسد يمثل ضباباً يمنع الرؤية الحقيقية عن الروح. فالروح حالياً لا ترى إلا بعين الجسد، ولا تسمع إلا بأذن الجسد. وكل أنواع معرفتها تكون عن طريق حواس الجسد.
***
* أما في إنطلاق الروح، فتكون لها معرفة أوسع لا تستمدها من الحواس الجسدية، بل يكون لها الحس الروحي. ولا تتحرك بأرجل الجسد، بل تتحرك وهي خفيفة : تصعد وتهبط وتجتاز مسافات دون أن تعبر وَسَطاً، مثل الملائكة أو كالفكر الذي يتحرك إلى قارة أخرى دون أن يعبر الوسط الذي بينها.
* وتتلاقى الأرواح وتتعارف وتتحدث بدون ترجمة من لغة إلى أخرى. بل تتفاهم بحسّ روحي ليس حبيساً في نطاق اللغات. حقاً بأية لغة قد تفاهم أبونا آدم، وأبونا نوح، وموسى النبي، وأيوب البار، حينما التقوا معاً في العالم الآخر؟ أم أن هؤلاء وكل الأبرار كانوا يتفاهمون بغير لسان من ألسنتنا؟ أو بغير أصوات! وبأية لغة كانوا يتحدثون مع الملائكة؟ أم أنهم يتخاطبون معهم بغير لغة بشرية! أي بلغة الروح!
* وفي غير الحواس البشرية، ماذا ستكون الرؤية الروحية
ننتقل إلى نقطة أخرى من متعة الروح في السماء وهى متعة التحرر
***
متعة التحرر
الأرواح حالياً وهى متحدة بالأجساد – ليست حرة فيما تريد ... هناك ضغوط كثيرة عليها من الخارج، ومن الجسد بالذات ... ولكنها عندما تنطلق من الجسد، سوف تحرر من كل قيوده.
* سوف تحرر من غرائز الجسد ومن كل إنفعالاته. وسوف تتحرر من أمراض النفس مثل القلق والاضطراب والشك. وسوف تتحرر من الضَعف والعجز، ومن التعب والإعياء ومن عديد من الأمراض التي يتعرض لها الجسد ويلقي بنتائجها على الروح.
* وسوف تتحرر من مؤامرات الناس الأشرار، وما يلقونه على الروح من خوف ورعب. وما تحاول من وسائل للبعد وللوقاية من الضرر.
* وسوف تتحرر من خوف الموت، لأن الموت يكون قد تم ووقع على الجسد ولم يعد هناك مجال لتكراره.
***
متعة البِرّ
في العالم الآخر سوف تتحرر الروح من الخطية. فلا مجال للخطايا التي تتنتج عن شهوات الجسد وغرائزه، إذ قد خلعت الجسد وإنفصلت عنه. كذلك لامجال للخطايا التي تأتي نتيجة لإغراءات خارجية. ففي العالم الآخر لا إغراءات ولا حروب شياطين. فالشيطان لن يدخل مواضع الأبرار في السماء. ولا توجد خطايا تقع فيها الروح من احتكاك البشر. فالأرواح البارة سوف تسكن في العالم الآخر مع أرواح بارة من نفس النوع، وأحياناً من نفس الدرجة. ولا مجال للصراعات والإنقسامات.
* وسوف ينزع الله من أرواح ساكني السماء معرفة الخطية وتذكاراتها وقصصها وصورها التي كانت على الأرض. ويمنح هذه الأرواح إكليل البر، فلا تعود هناك إمكانية للخطية ولا رغبة فيها.
* حقاً ما أعظمها متعة وما أعمقها، أن تعيش الروح هناك في عالمٍ جديد كله برّ، لا عثرة فيه ولا شر ولا شبه شر. عالم أجمل بكثير من الجنة التي عاش فيها أبوانا آدم وحواء قبل الخطية، حيث كانا يعيشان في براءة وبساطة، ولكن في طبيعة قابلة للسقوط، وقد سقطا، أما في العالم الآخر، فلا توجد إمكانية للسقوط.
***
متعة الشفافية
في العالم الآخر سوف تتمتع الروح بالشفافية التي لم يعد يحجبها ضباب الجسد. شفافية في المعرفة والإدراك تكاد تدرك شفافية الملائكة. فيها يُنزع القناع عنها، فترى غير المرئيات، وتعرف أسراراً عن العالم الآخر ما كان يمكنها معرفتها على الأرض. وتظل تنمو في المعرفة ويوّسع الله مداركها لتعرف أكثر، بلون جديد من الإدراك فوق مستوى الحواس. وتكون معرفتها عن طريقين : أحدهما تجلي الروح في طبيعتها. وثانيهما هو الكشف الإلهي، إذ يكشف الله لها ما لا يمكن أن تدركه طبيعتها الحالية.
***
متعة الفرح
إنه فرح لا ينطق به يختلف عما في عالمنا من مباهج. هو فرح روحي. ثم هو فرح بأمور جديدة على الإنسان يختبرها لأول مرة. كذلك هو فرح دائم لا يتوقف ولا ينقطع، بل يكون دائم النمو والتجدد. وأيضاً هو فرح بالغلبة والإنتصار، والتمتع بوعود الرب للغالبين ...
* ثم تفرح الروح بالعشرة المثالية التي في السماء، عشرة الأبرار والقديسين، بل وعشرة الملائكة، ورؤساء الملائكة، وعشرة مَنْ كنّا نقرأ عنهم في التاريخ ونشتهي مجرد معرفتهم.
وأكثر من كل هذا عشرة الله نفسه – تبارك اسمه – لأن كل أفراح السماء بدون الله لا تكون أفراحاً حقيقية.
***
إن كان الأمر كذلك، فلنستعد من الآن – في حياتنا الأرضية الحالية – حتى نكون مستعدين لكل تلك المتع السمائية التي أعدها الله لمن يحيون في طاعته. ليس لكل الأرواح، بل للأرواح الطاهرة الغالبة التي جاهدت وانتصرت واستحقت أن يكافئها الله بملكوته الأبدي.
ختاماً أهنئكم يا اخوتي بنعمة القيامة التي وهبها لنا الله في الحياة الأخرى. ... وكل عام وجميعكم بخير.