حرب الكرسي وذوبان المسيحيّين! كثيرون هم الذين يعتقدون أن الصراع المفتوح والمستمرّ بين القيادات المارونيّة، على كرسي الرئاسة والاستئثار بزعامة الطائفة والمسيحيّين معاً، هو من أبرز الأسباب التي ساهمت في تراجع وتقهقر الدور المسيحي بصورة عامة، وانهيار الصيغة والنظام والمواثيق والنصوص الدستوريّة.
وثمة مَنْ يذهب إلى أبعد من ذلك، وإلى تحميل هذا "الصراع" المزمن والمدمِّر مسؤوليّة انحسار الوجود المسيحي في المنطقة العربيّة... وخصوصاً بعد مسلسل الحروب الأهليّة التي أوقدت نارها الأولى وقيعة بوسطة عين الرمانة، والتي كان "اتفاق القاهرة" من ثمارها الأولى، واتفاق الطائف بمثابة الثمرة الثانية، ليحلّ اتفاق الدوحة في المرتبة الثالثة.
والخير لقدّام، ما دام
الحبل على الجرّار. وما دام الكباش الماروني – الماروني يدور في المربّع ذاته، وحول الجُحر ذاته الذي لُدِغَ منه الموارنة والمسيحيّون واللبنانيّون جميعهم.
تتساءل البقيّة الباقية من أولي الألباب والعقلاء هل إن المستقتلين على كرسي الرئاسة، أياً تكن الأثمان والتنازلات، ومنذ ما قبل "الاستقلال الصوري"، وحتى في "عزّ" أيّام الوصاية السوريّة المباشرة جداً، يدركون ما يفعلون؟
ما بهم يعودون إلى التهديد والوعيد، ولغة تكسير الرؤوس وتهبيط البيوت فوق ساكنيها؟ كي تكون الصورة واضحة ومعبِّرة، لا بدّ من العودة إلى أصل هذا الصراع الذي أطاح لبنان الواحد، لبنان الحريّة، لبنان الديموقراطيّة، لبنان الازدهار، لبنان انصهار الطوائف والمذاهب في الوطن الرسالة.
وفي السياق الرئاسي، وبدءاً من الافتراق والانقسام اللذين أحدثهما الاشتباك الأوّل بين حزب الكتلة الوطنيّة وحزب الكتلة الدستوريّة، والذي أحدث شرخاً عميقاً تفاعلت ذيوله وانعكاساته على مرّ العهود، وإلى حين دخول لبنان في المجهول.
وضمن التنافس السرمدي الأبدي على الكرسي الأول والزعامة المارونيّة – المسيحيّة، ولو بشقّ النفس وشقّ الطائفة وتشقيف البلد، كانت المواجهة السياسيّة مع عهد الرئيس كميل شمعون. وكانت ثورة حمراء أولى، صيف 1958، كردّ على إسقاط الزعامات السنيّة والشيعيّة في انتخابات أيار 1957، وتمهيداً لاعتلاء أوّل جنرال كرسي الرئاسة.
ثم المواجهة المارونيّة – المارونيّة عبْر "الحلف الثلاثي" و"النهج" والشهابيّة والعسكريتاريا، والتي حالت دون عودة شهاب ولا وليّ عهده الياس سركيس. وحيث أدى التنافس والتسابق إلى "عرش" الجمهوريّة البائسة إلى وصول الرئيس شارل حلو الذي مرّروا اتفاق التنازل عن السيادة من وراء عينيه لا ظهره.
ثم، وثم، وثم ما لا يحتاج إلى تذكير وسرد ولا تزال رحاه على أشدّها بقيادة الجنرال ميشال عون... وحيث يستمرّ الدور الماروني في الذوبان، وحيث بات الوجود المسيحي مصحوباً بالتطمينات ساعة بساعة وبالتآكل يوماً إثر آخر. لكن حرب الكرسي مستمرة.
جريدة النهار اللبنانية
[color:45a5=#f00] الأقباط الأحرار عند النقل