تربيت على أن أدفع عن نفسى شبح الموت كل يوم بدفع الملل عن شهريارى
أتكلم بالقصص لأسرى عنه
خوفاً بالطبع... لئلا يحكم علىّ فى ضجر فى إحدى الليال ويرسلنى لتقطع رأسى
يسقط حكم شهريار فيتولى الحكم شهريار آخر... فى بيت آخر... بقانون تسلية آخر
فى بلادى شهريار لا يموت!
هو القاضى وهو السيّاف
ينظر لى من فوق عرشه ويسن قوانينه
... وينفذها
أفهم أنه من الحكمة أن أَزَنُ الأمور كما يزنُها الملك المبجل
حتى يكون "كل شئ على مايرام"
كى لا أعكر مزاجه المتقلب... فأُلقى بعيداً
أحاول أن أتناسى الكثير...
أتناسى أن شهريار لا يرانى وإن كان ينظرنى
بعيداً عنى وإن كان يلامسنى
غير منصت وإن كان صوتى ملء أذنيه
فأنا أعلم أنه مدلل...
وإن أصابه منى السأم فسيجد قصاصة غيرى تسرى عنه...
وما أكثر القصاصات فى بلادى
هن أكثر من ألسنة النيران فى اللُجة!
وكل تتمنى أن تستظل بذكر يأويها فى بيته... ويطعمها ويكسيها... ويسترها
...
أنا... أمْ.
وَلَدْتُ طفلة رائعة... هادئة ...لم تصرخ فى المخاض
وكبرت شيئاً فشيئاً فى هدوء
وكنت لها الأم المثلى
لقنتها ما تلقنته وأنا فى عمرها... أن شرفها ملكاً للعائلة الملوكية
لا إختيار لها
فقد وُلِدَتْ أُنثى! لم أخترْ أنا ... لم تخترْ هى!
والآن يقع على كاهلها عبء الحفاظ على شرف سموه
وعليها أن تستشعر وتنتبه
فكل تصرف محسوب
كل خطوة ... كل ضحكة
تجلس كما تجلس الشريفات
تمشى كما تمشى الشريفات
تتكلم بصوت منخفض... على إستحياء -فكم يهوى شهريار الحياء- ...
تهمس ... أو أفضل لها ولى أن تصمت كليةَ
حتى لا يمسها الملك المهاب بقبضته القوية
يصوب صولجانه ويحكم ويدين
علمتها كيف تكون مسلية مثلى لتنجو بحياتها
... فعلمتها فن القصص
- ... لا تطمعى فى أكثر... ليس هناك أكثر
- لا توجد حياة خلف أسوار حديقته
أحطتها وضميتها بأسوار محبتى
أهديتها فى عيد ميلادها الخامس عشر صندوقاً جميلاَ
صنعته لها من حبى
ورأيت فى عينيها فرحة... صارت تدخله وتخرج منه
تلهو ... ترسم ...وتحلم
وكم حذرنى مولاى من الحُلم!
وكبرت حلوتى وصغر صندوقها
وإقتربت جوانبه من جسدها الهزيل
ملامستاً جلدها الغض
فأثقب لها متنفس... فتطلب أن توسعه...
تسائلنى فلا أجيب
- ماذا يقبع خلف السور؟
- لماذا تنتظر الأميرة أن ينقذها أحدهم من الأشرار؟
- لماذا لا تنقذ نفسها؟
أنظر إليها فى عجب وأمصمص شفتاى على الأيام الرديئة...
كيف صارت صاخبة تخبط طوال اليوم فى جدران صندوقها
ألم تكن صامتة؟ فماذا دهاها؟ لماذا تثرثر بلغو لا أفهمه؟
أشعر بها تختنق ... لا أدرى ماذا أصاب أمل حياتى!!
-... أتريدينى أن أقبل يديكى أميرتى؟
أصبحت غريبة... حتى تسائلت النسوة الأخريات: لماذا لاتكون إبنتك مثل كل بنات عمومتها
- أتوسل إليكى... تمثلى بالمئات الساكنات الآمنات فى قصور شهريار
أنتى واحدة من مئات... وشهريار واحد!
وهى ترفض النصح وتعاند...
تهشم بقبضتها الرقيقة جدران الصندوق الخشبى ...
فتفتح طاقة فى الواجهة و...وتنجرح يدها
كأنها جنين يندفع
ويكسر جدران الرحم
وينطلق!
ويشم هواءً غريباً بشهوة مرعبة
ولأنه غريباً على صدرها
تلوت أمام عيناى من الوجع ... صرخت كما لم تصرخ من قبل
قلت لها عودى وأنا أسامحك ... وأتستر فلا اخبر مولاى شيئاً مما أصابك
سأقول عنكِ أنك مرضتِ
والآن تعافيتِ!
وهى تصرخ وترفض الرجوع
وبعد أن بُح صوتها ...سكنت تماماً!
وإنتظرتها فى شرفتى ... خلف ستار كثيف
كنت واثقة من رجوعها
فلا مكان لها سوى غرفتها الصغيرة... وصندوقها
فقد ربيتها على قصص الذئاب والساحرات والتفاحة المسممة
يجدر بها أن تعرف أنى لا أبغى سوى صالحها... فهى تعلم كم أحببتها
وإذا بها...
تنظر خلفها باحثةً عن جدران الصندوق ... المحطم... وقد صارت مدببة
وملطخة بدماء نزفت من قدميها العاريتين
وتلمح ألعابها وأوراقها المصفرة ورسوماتها القديمة
نظرت فى عينىّ... نظرة لن أفهمها... من أين لها بالقسوة... والقوة.
مددت يدى لها ملوحة بلوحتها المفضلة...
-... أستحلفكى بطفولتك الجميلة أميرتى!
فهزت كتفيها فى غير إكتراث قائلة: "لن آخذ معى تلك القمامة القديمة ... سأرسم شيئاً جديداً الآن
†††
الرئيسية
المجلة
أحدث الصور
التسجيل
دخول
التسجيل
