ما كدت انتهى من قراءة مسودة مشروع الدستور حتى انتابنى تساؤال حقيقي :هل هذه مسودة دستور أم اعلان مباديء لجبهة سياسية أم محاكمة طلاب جامعيين للجنة التأسيسية الموقرة، ومع كامل احترامى وتقديري لأعضاء اللجنة التأسيسية،فان علاقة التجمعات العلمانية بالأروقة الأزهرية والتنظيمات الاسلامية والاكليروس والاراخنة وأصحاب الفئات ببعضهم البعض فيما يسمى اللجنة التأسيسية أقرب لعلاقة مكونات سوق عكاظ فى صدر الاسلام.
اما علاقة كل هؤلاء الفرقاء بالسلع التى بينهم المسماة"الدستور" فهى أقرب للمثال الشهير بـ"العميان والفيل"، حيث ركز كل أعمى على الجزء اللذى لمسه دون أن يري بقية أجزاء الفيل.
فى المسودة لو قرأت المادة 3 ستجد ان "مباديء شرائع المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوال الشخصية وشئونهم الدينية،واختيار قياداتهم الروحية".
والمادة 4 التى تنص على"الأزهر الشريف هيئة مستقلة، يختص وحده بالقيام على كافئة شئونه بحالة الأمة الاسلامية والعالم كله، ويتولى نشر علوم الدين والدعوة الاسلامية ،وتكفل الدولة الاعتمادات المالية لتحقيق أغراضة ويحدد القانون طريقة اختيار شيخ الأزهر - فى احدى المسودات لا يمكن عزله وفى مسودة آخري يمكن عزله من خلال هيئة كبار العلماء - ويؤخذ رأى هيئة العلماء فى الشريعة الاسلامية ،وكل ذلك على الوجه المبين الذى يوضحه القانون.
وهناك المادة 221 الخاصة بأن مباديء الشريعة الاسلامية تشمل ادليته الكلية وقواعدها الأصولية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب اهل السنة والجماعة.
من يستعرض هذه المواد السابقة 3، 4 ، 221 يكاد يعتقد ان هذا الدستور لدولة دينية تعيش فى عصر الخلافة العثمانية.
فى حين لو وقف القاريء أمام المادة 30 "المواطنون لدى القانون سوءا، وهم متساوين فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى او الاعاقة.
هذه المادة على تقدمها تعطى انطباعا بانها موجودة فى دستور دولة ديمقراطية علمانية، وما بين هذه المفارقات يمكن الاستدلال فى مواد متفرقة كثيرة فى الدستور، إلا أن أخطر ما هو أكثر من ذلك أن 50% من مواد الخاصة بالحريات زج فيها "بما لا يخالف شرع الله"، الأمر الذى ينسف روح المادة 30 التى تنص على المساواة بين المواطنين امام القانون، وذلك لأن الدستور موجه للمشرع، الأولية والتراتب فى المواد ذات الطابع الشرعى تؤكد على أن المادة 3 لا محل لها من الاعراب، ولذلك أقترح بدلا من مباديء شرائع المسيحيين واليهود إلى مباديء شرائع غير المسلمين حتى لا نصادر حقوق اقليات حقوق أقليات دينية آخري مثل الشيعة والبهائيين.
أما المادة 221 والتى تستكمل المادة 2 الخاصة بمباديء الشريعة وتضيف اليها أحكام الشريعة والحدود أيضا ، ولعل ممثلى رجال الدين المسيحي لقصور معرفتهم وادراكهم للفقه الاسلامى ودلالالته لم يكتشفوا بعد الكمين الذى اعدته لهم هذه المادة ، فهى تجعل المادة 3 الخاصة بتطبيق شرائعهم تكمن وتنكفيء داخل الكنائس فقط، أما خارج الكنائس فهم مواطنين فى دولة دينية اسلامية بما فى ذلك من قضايا الاحوال الشخصية فىا لزواج والطلاق، لن المادة 221 تؤكد على" القواعد والأصول والمصادر االمعتبرة فى اهل السنة والجماعة"،التى تفتح المجال لبعض التفسيرات الفقهية إلى أن الكتاب اهل ذمة.
أما المادة الخاصة بالأزهر الشريف"المادة 4 " التى رفضها الأزهر من قبل ،والغريب ان رجال الدين الأقباط يتباهى بعضهم بالموافقة عليها، وأهيب بالأزهر الشريف بسحب هذه المادة لأنها ستجعل الصراع حول الأزهر اشد من الصراع على المجالس التشريعية، وسيتحول الأزهر الشريف - لا قدر الله فى حالة غياب هيئة العلماء الحالية الموقرة إلى هيئة أقرب الى هيئة تشخيص النظام فى ايران .
لذلك كله أشعر أن فرقاء الجمعية التأسيسية مجموعات من الخائفين والمتربصين، لأن هذا المناخ بمجمله لا يصلح لاصدر دستور سواء كان دينيا أو مدنيا والله اعلم.