رسالة أبينا القديس أثناسيوس إلى الأسقف سرابيون
ضد القائلين بخلقة الابن ( الفقرة 1 )تُرجمت هذه الرسالة عن اليونانية ضمن الجزء الثالث لرسائل القديس كيرلس
(ترجمة الدكتور موريس تاوضروس والدكتور نصحى عبد الشهيد)
ونشرها مركز دراسات الآباء بالقاهرة سنة 1995م
1 ـ كنت أظن أن ما سبق أن كتبته ليس إلاّ كلمات قليلة، وهذا سَبّب لي إحساساً بالوهن الشديد لكونى عاجزاً عن الكتابة بمثل ما يليق بالإنسان أن يقوله عن الروح القدس وضد الذين يكفرون بالروح القدس. وبما أن ـ بعض الإخوة ـ كما تقول استحقوا أن يقوموا أيضاً باجتثاث هذه الأمور، لهذا فقد قمت بالكتابة لكى يكون عندهم الاستعداد أيضاً أن يجاوبوا ـ بواسطة هذه الكلمات القليلة، أولئك الذين يسألون عن الإيمان الذي فينا وأن يدحضوا الكافرين (عديمي التقوى) بجراءة . ولقد قمت بالكتابة إليك ، وأثق أنه إذا كان فيها أي نقص فإنك ستكمله .
إن الآريوسيين تحولوا هم أنفسهم ، وفكروا بنفس طريقة تفكير الصدوقيين ، بأنه ليس شيء أعظم منهم أو خارجاً عنهم ـ إنهم أخذوا كتابات الوحي الإلهي وفهموها بمفاهيم وظنون بشرية (جسدية). وحينما يسمعون (الكتب المقدسة تقول) إن ابن الآب هو الحكمة والبهاء والكلمة ، فإنهم اعتادوا أن يقولوا : كيف يمكن أن يكون هذا ؟ كأنه يمكن أن يكون غير ذلك، وهذا هو الأمر الذي لا يستطيعون أن يفهموه . فهل حان الوقت لكى يفهموا هذا الأمر فيما يخص وجود كل الأشياء .
فكيف تستطيع الخليقة ـ وهى غير كائنة البتة ـ أن تكون (وتوجد) ؟ ، أو كيف يتسنى لتراب الأرض أن يصيِغ إنساناً عاقلاً ؟ أو كيف يستطيع الفاني أن يكون غير فانٍ ؟، أو كيف وضع الله أساسات الأرض على البحار، وثبتها على مجاري الأنهار ( أنظر مز2:24 ) ؟ . وكذلك ينطبق عليهم القول القائل " لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت " (1كو32:15) ـ لكى يهلك معهم أيضاً جنون آريوسيتهم عندما يهلكون .
رسالة أبينا القديس أثناسيوس إلى الأسقف سرابيون
ضد القائلين بخلقة الابن ( الفقرة 2 )2 ـ إن تفكير الآريوسيين فانٍ وفاسدٍ ، وأما كلمة الحق التي كان يليق أن تكون في فكرهم فهي هكذا :
إن كان المصدر (المنبع) والنور، والآب هو الله ، فليس من العدل أن يُقل إن المصدر (الينبوع) بلا ماء ولا أن يكون النور بلا إشراق ، ولا الله بغير كلمة ، حتى لا يكون الله غير حكيم أو غير ناطق أو بغير نور.
ولهذا السبب نفسه ، فكما أن الآب أزلي يلزم أيضاً أن يكون الابن أزلياً كذلك . لأن كل ما نفكر به من جهة الآب فهو بلا شك للابن أيضاً ، كما يقول الرب نفسه " كل ما هو للآب فهو لي " (يو15:16) وكل ما هو لي فهو للآب . لذلك فإن الآب أزلي ، والابن أزلي أيضا ، لأنه بواسطته قد تكونت الدهور ( قارن عبرانيين 2:1) فكما أن الآب كائن كذلك فمن الضروري أن يكون الابن أيضاً كائن ، " الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين "(رو5:9) كما قال الرسول بولس .
وكما أنه لم يجرِ العرف على أن يُقال عن الآب إنه جاء إلى الوجود على اعتبار أنه لم يكن موجود ، هكذا ليس من اللائق أن يُقال عن الابن إنه جاء إلى الوجود لأنه لم يكن موجوداً ـ فالآب قادر على كل شيء ، والابن قادر على كل شيء ، كما يقول يوحنا " الكائن والذي كان والذي سيكون القادر على كل شيء " ( رؤ8:1 ) .
الآب نور، والابن شعاع ونور حقيقي .
الآب إله حقيقي والابن إله حقيقي.
لأنه هكذا كتب يوحنا " ونحن في الحق، في ابنه يسوع المسيح ، هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20:5) فليس هناك شيء على الإطلاق يخص الآب دون أن يخص الابن أيضاً . ولأجل ذلك فإن الابن هو في الآب ، والآب هو في الابن .
وحيث إن أمور الآب هذه هي في الابن ، فإن هذه الأمور نفسها أيضاً تُدرك في الآب وهكذا يُفهم القول " أنا والآب واحد " ( يو9:14) حيث إنه ليس فيه (في الآب) أشياء وفى الابن أشياء غيره، بل إن ما في الآب هو في الابن . وحيث إنك ترى في الابن ما تراه في الآب ، لذلك فلتفكر جيداً في قول الرب " من رآني فقد رأى الآب " (يو9:14).
رسالة أبينا القديس أثناسيوس إلى الأسقف سرابيون
ضد القائلين بخلقة الابن ( الفقرة 3 )3 ـ وهكذا إذ قد برهنا على هذه الأشياء، فإنه من عدم التقوى أن يُقال إن الابن مخلوق . لأنه فى تلك الحالة سيكون هناك اضطرار للقول بأن الينبوع المتدفق مخلوق ، وأن الحكمة مخلوقة ، وأن الكلمة مخلوق فى حين أن كل الأشياء هى خاصة بالآب .
ومن هذه الأشياء يمكن للواحد منا أن يتبين عدم صحة ما فهمه مجانين الآريوسية . ولو كنا نحن متشابهين ، ولنا شخصيتن ، ونحن من جوهر واحد ، لذا فالبشر متشابهون إذ لهم شخصيتهم ، ولنا جوهر واحد بعضنا مع بعض . إذ للجميع نفس الجوهر ، المائت الفاسد ، المتغير ، المخلوق من العدم . والملائكة أيضاً لهم نفس الطبيعة فيما بينهم وبين انفسهم وكذلك أيضاً جميع الخلائق الأخرى بالمثل .
وإذا صح هذا الأمر فكيف يبحث المتشككون إن كان هناك أي تشابه بين الابن والمخلوقات ، أو كانت الأشياء التي تخص الابن يمكن أن توجد بين الأشياء المخلوقة ، فكيف تجرؤ الخليقة أن تنطق كلمة الله .
ولكن ليت الساقطين والضالين لا يمسون إطلاقاً ما يخص التقوى ـ فإنه ليس بين المخلوقات من هو ضابط للكل ، وليس هناك (ضابط للكل) يضبط ويحفظ ضد ضابط آخر ، لأن كل واحد منهما يكون خاصاً بالله . لأن " السموات تتحدث بمجد الله " (مز2:18) أما " الأرض وملؤها فهي للرب " (مز1:23) و " البحر رآه فهرب " (مز3:113) وكل خدامه المختصون بالعمل : "عاملون كلمته " (قارن مز20:102) ، وطائعون أمره . فالابن ضابط الكل ، مثل الآب . وهذا هو ما كُتب وأُثبت .
ومرة أخرى أيضا ، فإنه لا يوجد بين المخلوقات ما هو غير متغير بطبيعته . لأن بعض الملائكة لم يحفظوا رتبتهم الخاصة بهم، فحتى " الكواكب غير طاهرة أمامه "( أيوب 5:25) . وقد سقط الشيطان من السماء ، وحذا آدم حذوه ، وكذلك أيضاً كل الذين يعصون الله .
أما الابن فهو غير متغير وغير قابل للتحول كالآب تماماً . وها هو بولس يرجع بذاكرته إلى ما جاء في المزمور 101 فيقول " وأنت يا رب في البدء أسست الأرض ، والسموات هي عمل يديك . هي تزول وأنت تدوم ، وكلها كثوب ستبلى . وكرداء تطويها فتتغير أما أنت فكما أنت وسنوك لن تفنى " (عب10:1ـ12). ومرة أخرى يقول " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد " (عب8:13) .