لاهوت المسيح عند آباء ما قبل نيقيةفى حديثنا عن لاهوت السيد المسيح من خلال أقوال آباء ما قبل نيقية , سوف نتبع نفس خط و ترتيب قانون إيمان نيقية فى صياغته لإيمان الكنيسة فيما يخص لاهوت السيد المسيح , من حيث حديثه اولا عن الإبن كأقنوم مُتمايز عن الآب و لكن مولود منه قبل كل الدهور و مساو له فى الجوهر. ثم الحديث عن الإبن فى تجسده و عمله الخلاصى من أجلنا. و ذلك للتأكيد على ان ما نص عليه الآباء الـ 318 المجتمعون بنيقية مع القديس اثناسيوس – و قد كان شماسا أثناء إنعقاد المجمع – ما هو إلا تعبير صادق و آمين عن الإيمان المُسلم لهم بواسطة الكنيسة مُمثلة فى الآباء السابقين لهم من خلال التقليد الرسولى الكنسى.
لاهوت السيد المسيح الإبن المتجسهكذا آمنت الكنيسة منذ تأسيسها أن إبن الله الأزلى المساوى للآب فى الجوهر هو هو نفسه تجسد فى ملء الزمان من الروح القدس و من العذراء القديسة مريم , و أنه تأنس مإنسان كامل و عاش على الارض , و تألم و قُبر و قام و صعد الى السماوات.
فلقد كان المسيح هو الله...1- فى تجسده و ميلاده"المسيح هو الله لأن إسم "عمانوئيل" يدل على ذلك"[45]
القديس ايريناؤسفلقب "عمانوئيل"[46] الذى أطلقه الكتاب المقدس على السيد المسيح يعنى "الله معنا". لذلك فإسم عمانوئيل نفسه يدل على لاهوت المسيح الذى بتجسده قد صار معنا نحن البشر.
"مبارك الآتى بإسم الرب , أى مبارك الإبن الآتى بإسم الرب. أما عن اسماء الآب التى يعلمنا إياها الكتاب المقدس : الله الكلى القدرة , العلى , رب الكل , ملك إسرائيل , الكائن. و نحن نقول ان هذه الاسماء تخص الإبن ايضا. و نقول ان الإبن قد جاء تحت هذه المُسميات و تصرف بناءًا عليها و هكذا أعلنها للناس فى ذاته. إذ يقول : كل ما للآب فهو لى. فلماذا إذن لا تكون اسماء الآب أيضا للإبن؟"[47]
العلامة ترتيليان"لأنه من يجهل كتب ارينيؤس و ميليتو و الباقين الذين قالوا عن المسيح أنه إله و إنسان؟ أيضا كل المزامير , و ترانيم الأخوة – التى كُتبت منذ البداية بوساطة الامناء – تُعلن أن المسيح هو كلمة الله ناسبة له اللاهوت"[48]
يوسابيوس القيصرى2- فى تعاليمه و أقواله"المسيح لم يستخدم الجملة المعتادة التى استخدمها الأنبياء – هكذا يقول الرب[49] - , لأنه هو نفسه الله الذى تكلم بسلطانه و يبدأ كلامه بقول : الحق الحق أقول لكم[50]"[51]
العلامة ترتيليان"إن كان أحد يتسائل عما إذا كان كل ما هو معروف للآب هو معروف للإبن الفادى ايضا , و إن كان أحد يظن ان هناك اشياء يعلمها الآب ولا يعلمها الإبن مُتخيلا أنه بهذا يُعظم الآب [52] , فإننا نُذكره أن الإبن هو الفادى لكون هو الحق. و بالتالى إن كان هو الحق الكامل , فلا توجد إذا حقيقة لا يعلمها هو." [53]
العلامة اوريجانيوس3- فى آلامه و موته"كيف يتألم الإبن دون أن يتألم الآب معه؟ (الاجابة هى أن) الآب منفصل عن الإبن (بحسب التجسد) , على الرغم من إنه غير مُنفصل عنه من حيث اللاهوت. على سبيل المثال , النهر ينبع من ينبوع من نفس طبيعته , و هو لا ينفصل عنه. و مع ذلك , فإذا تلطخ النهر بالطين و الطمى , فإن الينبوع لا يتأثر ولا يصل إليه الطين او الطمى. فمياه الينبوع هى التى تتأثر اثناء سريانها فى مجرى النهر , أما الينبوع فلا يتأثر على الإطلاق."[54]
العلامة ترتيليانيقول العلامة ترتيليان أن :"الآب منفصل عن الإبن بحسب التجسد , على الرغم من أنه غير منفصل عنه من حيث اللاهوت". فالإبن منفصل عن الآب من حيث التجسد. و ذلك لأننا لا نستطيع ان نقول أن الآب قد تجسد , و إن كنا نستطيع أن نقول أن الآب مخلص لإشتراكه فى الخلاص ببذله لإبنه الوحيد. أما من حيث الجوهر الإلهى فالآب و الإبن لا ينفصلان على الإطلاق حتى مع تجسد الإبن. تماما مثلما يوضح مثل الينبوع و النهر السابق ذكره.
"إن جسد المسيح الذى رقد فى القبر لم يكن خاليا من اللاهوت. بل بالأحرى , بينما كان بنفسه البشرية فى الجحيم , كان فى وجود جوهرى مع الآب. فهو بحسب لاهوته كان فى الجسد الذى فى القبر و فى نفس الوقت كان بالنفس البشرية فى الجحيم. لأن الإبن غير محدود كما أن الآب غير محدود و هو يحوى كل الأشياء فى ذاته." [55]
القديس هيبوليتوس الرومانى"لقد رأت الخليقة كلها كيف أن الخالق قد أُدين لأجل الإنسان , غير المرئى رأوه , غير المحدود قد انحصر فى جسد , غير المتألم تألم , غير المائت مات , و السماوى وُضع فى القبر."[56]
القديس ميليتو اسقف ساردسيقول الأسقف ميليتو أن السيد المسيح "قد إنحصر فى الجسد" , فليس المقصود بهذه الكلمة أنه بالتجسد فقد عدم محدوديته بل المقصود انه مع كونه غير محدود فقد ظهر فى الجسد المحدود.
4- فى عمله الخلاص"من الواضح انه (المسيح) هو نفسه كلمة الله الذى تأنس , و أخذ سلطان مغفرة الخطايا. لقد كان إنساناً و كان إلهاً بحيث أنه تألم من أجلنا كإنسان , كما أشفق علينا كإله."[57]
القديس ايريناؤس"نحن الذين نؤمن أن المسيح قد عاش على الأرض و أخذ الطبيعة الإنسانية لأجل خلاص الإنسان , يُعد تفكيرنا بعيداً كل البُعد عن أولئك الذين يرفضون أن يؤمنوا بأن الله يهتم بكل شىء. إذ أن الإيمان بأن الله قد مات و مع ذلك فهو حى الى الأبد هو جزء من أساسى من إيماننا كمسيحيين."[58]
العلامة ترتيليانفى هذا القول يؤكد العلامة ترتيليان أن الذين يرفضون التجسد و الصليب ظانين أن هذا لا يليق بعظمة الله , هم بعيدون كل البعد عن الفهم و الإيمان الصحيح. فلولا التجسد و الصليب ما كان لنا هذا الخلاص الذى أتمه ربنا يسوع المسيح من أجل محبته لنا و إهتمامه بنا.
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
[45] Vol I , P. 452
[46] أنظر اش 7 : 14 , 8 : 8 – مت 1 : 23
[47] Vol III , P. 613
[48] Vol V , P. 601
[49] انظر خر 4 : 22 , 1 صم 2 : 27 , إش 37 : 6 ...
[50] انظر مت 5 : 28 , مر 9 : 41 , لو 4 : 24 , يو 1 : 25 , يو 8 : 34 ...
[51] Vol III , P. 534
[52] أنظر مر 13 : 32
[53] Vol X , P. 313
[54] Vol III , P. 626
[55] Vol V , P. 194
[56] Vol VIII , P. 756
[57] Vol I , P. 545
[58] Vol III , P. 309