الاستشهاد في المسيحية
للأنبا يؤأنس أسقف الغربية
المسيحية هي المحبة الباذلة ، والصليب هو علامةالمسيحية ، وفي شخص السيد المسيح التقي الحب بالألم ، وتغير مفهوم الألم واصبح شركةحب مع الرب المتألم ، وأرتفع إلي مستوي الهبة الروحية ، والموت أصبح كأسا لذيذايرتشفها المؤمن سعيدا راضيا بل يسعى إليها عن حب ويتعجلها ، وليس في هذا عجب فقدتحول الموت من شئ مرعب إلي جسر ذهبي ومعبر يعبر بنا من حياة قصيرة وغربة مؤقتةوثوبا باليا إلي سعادة أبدية دائمة وثوبا لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل .
وأرتبط الاضطهاد بالمسيحية وهو يسير معها جنبا إلي جنب ،وأحيانا يصل إلي النهاية وهو ما نقول عنه الاستشهاد ، وأول اضطهاد تعرضت له المسيحية كان من اليهودية إذ ولدت المسيحية في وسط المجتمع اليهودي ، ورفض اليهودالسيد المسيح وصلبوه ، واضطهدوا أتباعه بالقتل والتعذيب أو بالوشاية وإثارةالجماهير أو بالمقاومة الفكرية ..
بعدها دخلت المسيحية الناشئة في صراع طويل مع الوثنية متمثلة في الإمبراطورية الرومانية بما لها من سلطة الدولة وقوة السلاح وقد وصل هذا الصراع إلي حد الإبادة أي الاستشهاد ، وكان الصراع غير متكافئا إذ لم يكن للإيمان الجديد ما يسنده من قوة زمنية أو سلاح اللهم إلا ترس الإيمان ودرع البر وخوذة الخلاص وسيف الروح ( أفسس 6 ) ، وأستمر الصراع حتى أوائل القرن الرابع حين قبلت الإمبراطورية الرومانية الإيمان بالمسيح وسقطت الوثنية .
لقد بدأ اضطهاد المسيحية في روما علي يد نيرون في القرن الأول المسيحي وانتهي علي بعد ميل واحد من روما علي يد قسطنطين في القرن الرابع وكان القصد منه إبادة المسيحية ولكن علي العكس كان سببا في تنقيتها وإظهار فضائلها وبطولات شهدائها الأمر الذي أدي انتشارها ودخول الوثنيين في الإيمان المسيحي ، وكماعبر عن ذلك العلامة ترتليانوس " دماء الشهداء بذار الكنيسة ".
لماذا اضطهدت الدولة الرومانية المسيحية ؟
·جاءالإيمان بالمسيح يحمل مفاهيم جديدة غير التي كان يألفها الناس في القديم :
في الوثنية كانت العبادة عبارة عن ترديد لصيغة عزيمة سحرية وبعض التعاويذ وتقديم المأكل والمشرب للآلهة والتعاليم غامضة والشعائروالصلوات سرا ، عكس ما وجد الناس في المسيحية تعليما مفهوما وموضوع عظيم للإيمان وديانة تستقر في داخل الإنسان وفكره وروحه والعبادة فيها ترجمة عملية للإيمان وحل الحب محل الخوف .
ولم يعد هناك غرباء أو أجانب بالنسبة لإله المسيحيين ، ولم يعد الأجنبي يدنس الهيكل أو القربان لمجرد حضوره ، ولم يعد الكهنوت وراثيا لأن الديانة ليست ملكا موروثا بل علي العكس أصبح هناك تعليم ديني مفتوح يعرض علي الجميع وكانت المسيحية تبحث عن أقل الناس اعتبارا لتضمهم .
ولم تعلم المسيحية أتباعها بغض الأعداء أو الأجنبي بل علي العكس التعاطف والمودة .
·جاءت المسيحية كديانة عالمية :
كل العبادات الوثنية كانت محلية ، ولكل إقليم معبود خاص به وحتى اليهودية كانت ديانة مغلقة تخص شعب واحد ولكن المسيحية ظهرت للعالم أجمع حسب قول السيد المسيح " اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مر 16 : 15) .
·ونادت المسيحية أنها الديانة الوحيدة الحق :
وانجذب إلي الإيمان بها من كل جنس وشعب وطبقةوسن من اليونان والرومان أكثر من الذين جذبتهم اليهودية ، ورفضت أن تتحالف مع الوثنية .
·وعلمت بفصل الدين عن الدولة :
في القديم كان الدين والدولة شيئا واحدا ، وكل الشعب يعبد إلهه وكان كل إله يحكم شعبه ، وكانت الدولة تتدخل في نطاق الضمير وتعاقب من يخرج الشعائر والعبادة وأما المسيحية فقد جاءت تفصل الدين عن الدولة حسب قول السيد المسيح " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " (مت 22 : 21).
·الحماس الشديد للروحانية بدلا من النشاط الاجتماعي :
رفض المسيحيون الاشتراك في الاحتفالات الوثنية والعبادة العامة وكان هذا يعبر عن عدم تحمسهم للسياسة والعزوف عن الشئون المدنية والزمنية بالمقارنة بالأمور الروحية والأبدية والتصاقهم الشديد ببعض في اجتماعات مغلقة كل هذا أثار حولهم الشبهات وعداوة الحاكم والشعب .
وفي الواقع أنه في ظل المسيحية تغيرت احساسات الناس وأخلاقياتهم ولم يعد الواجب الاسمي أن يعطي الإنسان وقته وحياته وقواه للدولة في السياسة والحرب فلقد شعر الإنسان أن عليه التزامات أخري من نحو خلاص نفسه ومن نحو الله .
حلقات الاضطهاد العشر
منذ القرن الخامس الميلادي تعود المؤرخون علي تقدير الاضطهادات التي خاضتها الدولة الرومانية ضد الكنيسة المسيحية بعشرة اضطهادات كبيرة تحت حكم عشرة أباطرة هم علي الترتيب :
نيرون – دومتيانوس – تراجان – مرقس أوريليوس – سبتيموس ساويرس – مكسيمينوس – ديسيوس – فالريان – أوريليان – دقلديانوس .
ولكن هذا التقسيم عرفي اصطلح عليه ولا يعني أن الاضطهادات حدثت عشر مرات فقط ، لأن أكثر الفترات هدوءا كانت فيها شهداء.
ولقد حاول البعض أن يربط بين الضربات العشر في مصر وهذه الاضطهادات باعتبارها رمزا لها ، كذلك يربطون بين العشرة قرون التي للوحش الوارد ذكرها في سفرالرؤيا الذي صنع حربا مع الخروف علي أنها هذه الحلقات العشر من الاضطهاد.
تـابع