فلقد وجدوا أنفسهم داخل أتون معركة غير متكافئة، لا من حيث العدد، ولا من حيث العتاد، حتى منيوا بهزيمة ساحقة، وتمكن بعضهم من الهرب، وتم إلقاء القبض على البعض الآخر.. ورغم إن مثل هذه المشاجرات عادة ما تحدث في الأحياء الشعبية ويشترك فيها أهالي الطرفين القادمين من الصعيد، إلا إن الشرطة عملت لهم قضية إثارة فتنة طائفية!
ولكن نظراً لأنهم كلهم كانوا مصابين بإصابات بالغة، فتم لم الموضوع بعد ترحيلهم لقراهم، ومنعهم من العودة للقاهرة.
وقد أدى هذا الحادث إلى تصعيد الموقف ومضاعفة تأزم الموضوع، وخصوصاً بعدما أصدر السيد رئيس مباحث القطاع تعليمات مشددة لرجاله، بمنع أي مسيحي يحاول الاقتراب من الفتاة، حتى لو كانت أمها، أو شقيقها!!! فزادت مشكلة الفتاة تعقيداً، واستسلم أهلها للمصير المحتوم.
+ لكن الكنيسة لم تفقد الأمل بعد من إمكانية الوصول إلى البنت الصغيرة المحتجزة، للتأكد إنها غير مختطفة، وإنها ليست تحت تأثير مخدرات أو تهديدات، ومن أجل توصيل كلمة الرب إليها داخل هذه الدوامة، لكنها لم تكن عرف كيف يتم ذلك ،خصوصاً بعدما استنفذت كل السبل القانونية والعرفية، كما سبق وأوضحنا.
+ كنت آنذاك جديداً في هذه الخدمة، لكن –نظراً لخلفيتي- فلم تكن مثل هذه الحوادث جديدة علي.
ولم أكن قد بدأت خدمتي بشكل ميداني بعد، لانهماكي آنذاك في إعداد تقارير لتقييم هذه الخدمة وبيان احتياجاتها، وطريقة تنظيمها، لكن فوجئت بقدس أبينا القمص حزقيال وهبه (أمين مكتب الرعاية آنذاك)، يكلفني بمهمة الوصول لهذه الفتاة!!!
قائلاً لي: لقد سلكنا كل السبل للتمكن من رؤية البنت، لكن لم نقدر بسبب جبروتهم، لكن المثل بيقول: (لا يفل الحديد إلا الحديد)، وأنت الشخص الوحيد اللي ممكن تقدر تعرف مكان البنت، وتصل إليها، وتوصل لها كلمة ربنا وهي في هذه الظروف الصعبة!!
* لكن يا قدس أبونا (الموضوع مستوي على الآخر)، يعني فيه أمن دولة، وجماعات، وأهالي و..
** الكنيسة كلها واثقة في قدراتك وإمكانياتك، وقبل كدا، في إيمانك العميق بالمسيح، والذي لم يأتِ بك إلى هنا اعتباطاً، بل بترتيب وتدبير حكيم.
* حاضر يا أبونا.
+ كان الأمر يبدو وكأنه ضرباً من ضروب المستحيل، لكن إيماني العميق بالمسيح دفعني للذهاب إلى منزل عائلة هذا الشاب المسلم، مخترقاً حصار الأمن، والجماعات، وتمجد الرب معي بغنى، حتى استطعت ( فرملة) إجراءات إسلامها، فتجمدت، ثم حفظ طلبها إدارياً، واستطاعت التحدث إليها..
+ كانت صامتة، منكسرة، منهزمة، محاصرة. كانت جافة كالأرض اليابسة، ولم تكن تعي ما يدور حولها، وكانت عيناها غير مستقرة النظرات ويكاد القلق والحيرة أن يبتلعاها.كانت خائفة، هلعة، ترسل نظرات استغاثة صامتة.
+ كانت بحاجة ماسة إلى نقطة مياه لتروي عطشها للمسيح، فرواها المسيح بمحبته.
+ كانت جائعة لسماع كلمة الرب لكي تشد من أزرها، فأسمعها المسيح كلمات الحق.
+ اختلست عشر ثواني وغافلتهم وأعطيتها (لقمة بركة) فاختطفتها من يدي وأكلتها في لمح البصر، ثم ابتسمت لي علامة على أفاقتها مما هي فيه، فأفاقت لحالها المزري، وقررت الخروج من هذا المستنقع، وبدء وضع خطة للهرب من سجانها.
+ وهكذا أمكن إنقاذها وإعادتها مرة أخرى إلى المسيح، وإلى كنيستها، وأهلها.
+ وجاء زوجها يصرخ، ضحكت عليَّ يا صموئيل، لبستني العمة يا صموئيل، أنا مش هاسكت، أنا ها أقلب الدنيا عليكم.
+ قالت له البنت: أنت حيوان، ضحكت عليَّ وغررت بي، وكنت عاوز تتاجر بي..
+ انتهى الأمر بإلقاء يمين الطلاق عليها مقابل ثلاثة آلاف جنيه، وعليهم نظرة احتقار من الفتاة.
+ حضرت حفل خطبتها، ثم حفل زواجها من شاب مسيحي، وبعد سنتين ولدت طفلاً جميلاً، حملته على ذراعي بكل فرح.
وسألني الكثيرون: أنت عملت إيه معاهم؟
كيف اخترقت الحصار المضروب حولها؟
ولم أعط جواباً لأحد، محتفظاً بأسرار خدمتي، وأساليبي المبتكرة في التعامل مع حيتان الأسلمة وهي الأساليب التي عرفت فيما بعد بـ (الرقص مع الأفاعي).
+ بدأت علاقتي بأسلمة البنات عام 1976، أي عندما كنت لا زلت في جهالتي الأولي، حيث كنت غارق في الوثن والظلمة الخارجية،أعمل وأنطق بالتجديف ضد المسيح، وكنيسته، وشعبه، ثم تعمقت في أسلمة البنات المسيحيات في العام الذي تلاه (1977) والذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسلمة البنات، وكان مشهداً مألوفاً أن تجد طابورا من 4 ، 6 بنات (جلهن من الحوامل)!! وهن يقفن أمام مكتب (الحاج إمام) بالدور الثاني بمديرية أمن القاهرة، ينتظرن دورهن لمقابلة مندوب البطريركية آنذاك (القمص المتنيح أبونا تداوس- عميد شرطة سابق) لتلقي الإرشاد الروحي منه ، والذي كان مجرد كلام في الهواء!
وكان يقف مع كل بنت صديقها المسلم (الحامل منه)، ومعهم من 4 – 6 رجال من بينهم أفراد من الجماعات -لزوم التخويف-.
+ وكان القاسم المشترك للبنات، هو الخوف، والهلع، والتردد، والاستصراخ الصامت، وإن كان كل هذا لم يمنع اصطناعهن لابتسامات باهتة.. هي للبكاء أقرب.
+ كان أكثر ما يهين المسلمين، ويطعن في كرامتهم، وعلى رأسهم الحاج إمام، مدير المكتب، هو تلكم البطون النسائية المنتفخة البارزة، وكأنك في عيادة نسائية للتوليد! وليس في مكتب لاستقبال الذين اهتدوا لدين الإسلام،وبقيت علامات الاستفهام العريضة، لماذا لا تأسلم البنت المسيحية إلا وهي حامل من مسلم؟
وما هي صلة الزنا والحمل من سفاح،بالاهتداء لله؟
وأين هم المهتدون الرجال؟
وإن تواجدوا، فهم أما عربجية أما حرامية أما هاربون من أحكام، أما راغبون في طلاق من زوجاتهم المسيحيات، أما على علاقات آثمة بمسلمات، وفي كل الأحوال فهم لا يشرفون المسلمين، وكنت أقول في نفسي لقد أصبحنا نحن المسلمين وكأننا مقلب زبالة، أو مصرف مجاري النصارى!!!
كلنا كنّا نعرف هذه الحقائق، لكن كل حالة أسلمة (مهما كانت ضاربة وخربانة وفشنك) تقابلها حوافز مادية، ومعنوية.
+ كانت بدايتي الحقيقية مع أسلمة البنات المسيحيات في شهر نوفمبر 1977 مع شابة مسيحية مسكينة من الزقازيق، وتم تهريبها إلى القاهرة، وإيداعها لدى أسرة مسلمة في منطقة سراي القبة.
+ وكانت رموز الأسلمة في هذا الوقت هم:
الشيخ كشك بجامع مصر والسودان. والشيخ إبراهيم عزت بجامع أنس ابن مالك بالمهندسين، والشيخ عبد اللطيف مشتهري، رئيس الجمعية الشرعية.
* على إن أكثرهم نشاطاً وأهمية وتأثيراً وإمكانيات، فهو الشيخ محمد جميل غازي، الشهير بالدكتور جميل، مؤسس مسجد العزيز بالله بالزيتون، والمنشآت الملحقة به مثل المركز الإسـلامي لدعاة التوحيد والسنة، والمستشفى الإسلامي.
وكان لهذا الرجل أسلوبه الخاص في شن الحرب النفسية ضد المسيحيين من خلال ترويجه لشائعات الأسلمة الوهمية، وكان أسخفها هو إحضاره 10 مسلمين من جنوب السودان وأدعى أنهم 10 قساوسة أسلموا!
وطاف بهم الكثير من المساجد، فضلاً عن مسجده.
ولم يسأل أحدهم نفسه، لماذا يذهب إلى قسس السودان بينما القسس الأقباط الحقيقيين موجودين أمامه، خصوصاً والجار أولى بالشفعة!!!
وعلمت فن الكذب لنصرة هذا الدين، وخداع بسطاء المسلمين لتنفيض جيوبهم.
وأما حقيقة هذا الرجل، فلقد اتضحت لي عندما أجبر السيدة (..) على تلبية نزواته تحت ما يسمى بالزواج العرفي، وبعدها رماها رمية الكلاب، لتعمل تمورجية في المستشفى التابع له، مما جعلها تدخل في نوبات من البكاء ويكتسي وجهها الجميل البريء حالة من الحزن الدائم.
+ كانت المسكينة في الثامنة والعشرين من عمرها (أي إنها كانت تكبرني وقتها بنحو 11سنة)، وكانت متزوجة من رجل سكير دائم الاعتداء عليها بالضرب، ولديها طفلين منه (تركتهما في ملجأ مسيحي) ورفضت أسلمتهما متعللة أمامي بحجج شتى.
ورغم إنني كنت مكلفاً بمتابعة خطوات إسلامها حتى النهاية، إلا إنها قد استطاعت (بمحبتها الأخوية الكبيرة) وهدوئها العجيب، وحزنها النبيل، ودموعها الغزيرة، أن تترك في نفسي آثراً لا يمحى... وأن تجعلني أتعاطف معها كإنسان، وليس مجرد شيخ يتابع حالة أسلمة. ولعلها المرة الوحيدة طوال عهدي بالإسلام، والأسلمة، التي أتصرف فيها كإنسان مع سيدة مسيحية.
يتبع
**تنويه: هذا المقال لا يعبر إلا عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن اتجاهات الموقع، ومن منطلق حرية الرأي والتعبير نترك مساحة حرية أكثر للكاتب حتى يعبر عن رأيه.
يستكمل علي هذا الرابط
إضغط هنـــــــــــــــا