علمتني سمكة - الرغبة في الحياة يحيا حيوان البر بالقرب من الإنسان ولكن ماذا جنى؟ الذبح والاستعباد! وهكذا طير السماء فى هروب دائم من أجل حريته! إذن فاعتزال الأسماك دليل على أنَّه يرغب الحياة كغيره من المخلوقات، ولأنَّه يعرف جيداً أنَّ هلاكه في قربه من الناس فهو لهذا يهرب منهم.ونحن كبشر، ألسنا نعرف أنَّ العالم الخارجيّ يعني المخاطرة؟ إنَّه ساحة حرب، إذن إمكانية الإصابة واردة، وهل يوجد إنسان لم يجرحه العالم بسهامه المسمومة؟ أعتقد أننا جميعاً اختبرنا جروح الغيرة والحقد والحسد والكراهية.. ولهذا فضّلنا الاحتماء وتحصين أنفسنا، وذلك بعدم الخروج من حصننا الذاتي ولو لفترة، إلى أن توقّفت أعاصير العالم المُدمّرة!وهكذا يتعلق الإنسان أكثر فأكثر بالداخل للحصول على وسائل الوقاية اللازمة، وهذا ليس إنسلاخاً أو تهرّباً أو انعزالاً عن كره.. لأنَّنا نعلم أنَّ حياة الإنسان مع الآخرين وبالآخرين، وسواء أراد أو لم يُرد، فإنَّ دائرته الخاصة التى يحيا فيها، حتماً ستدخل ضمن دوائر كثيرة، كالأب والزوجة والأولاد والرؤساء..
قصةيُحكى أنَّ كلباً قوياً كان يفتخر بين أصدقائه بقدرته على الجري وذات يوم إذ كان يجري وراء أرنب ليقتنصه، فلمَّا هرب الأرنب ولم يستطع أن يلحق بهسخرت منه الكلاب وعيَّرته قائلة: أين هى بطولتك في الجري ومهارتك في السباق التي كنت تُحدّثنا عنها؟! كيف استطاع أرنب ضعيف أن يهرب منك ويسبقك؟!فصمت الكلب قليلاً وقد اعتراه الخجل ثم قال:>ليكن ما قلتم ولكن لا تنسوا أنَّ الأرنب كان يجري لأجل حياته، أمَّا أنا فكنت أجري من أجل عشائي! إنَّها قصة من نسج الخيال، ولكنَّها رسالة حقيقية من أرنب تقول: إنَّ في أعماقك قدرات هائلة، لو هربت لحياتك وأسرعت بعيداً عن الخطية لاختبرتها، والشيطان لن يستطيع أن يلحق بك، ألم يقل الملاك للوط: " إهْرُبْ لِحَيَاتِكَ، لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ، اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلَّا تَهْلَِكَ ".
قصة فى أوربا حيث يكسو الجليد في موسم الشتاء، كل شيء بطبقة ناصعة البياض، حدثت هذه القصة مع أرملة فقيرة، كانت ترتعش مع ابنها الصغير من شدة البرد، لقد ضلاَّ الطريق! ولكن سرعان ما تصادف مرور عربة يجرها زوج من الخيل فوقف السائق وأركبهما، وأثناء السير بدأت أطراف السيدة تتجمّد من البرودة وكادت أن تفقد الوعى!! بسرعة وبعد لحظات من التفكير أوقف الرجل الخيل، وألقى بالسيدة خارج العربة وانطلق ومعه الطفل! لا شك أنَّه تصرّفاً قاسياً! لكنَّ السيدة ترغب الحياة ولو من أجل ابنها، فماذا فعلت؟ لمَّا رأت ابنها يبعد عنها قامت ومشت، ثم بدأت تجري بسرعة فائقة، إلى أن بدأ عرقها يتصبّب، وهكذا بدأت تشعر بالدفء واستردت صحتها، فأوقف الرجل العربة وأركبها معه وأوصلها هى وابنها لقد رغبت المرأة الحياة فنجت من موت الجسد، والرغبة في الحياة مع الله تُنقذنا من موت الروح وإن كان السائق قد ظهر قاسياً، إلاَّ أنَّ هذا يذكّرنا بقول السيد المسيح لبطرس: " لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ وَلَكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ " (يو7:13).
------------
أبينا الراهب كاراس المحرقي