لماذا الخطية ؟!أخي الحبيب/
أراك تحيا في العالم منهمكاً بمادياته، متلذذاً بشهواته، ومخدوعاً بأوهامه، وقد تركت الحيّة الخبيثة تهزأ بك، فعضَّتك بأنيابها، ومزقت ثوب النور البهيّ الذي كنت لابسه، وألبستك عوضاً عنه ثوب الليل المظلم الذي هو ثوب الخطية
ألا تعلم أنَّ الخطية بذور خبيثة، ما أن تُلقى على أرض قلبك حتى تنمو وتتضخّم كسرطان! وإن بدت كأنَّها زورق صغير يحملنا إلى ميناء السعادة، فالزورق بلا ربَّان وبعد قليل سيتوه وتُحطّمه الأمواج!
إنَّها لهيب نار لو اشتعل فيك لأَحرق كل طاقاتك، فإن كان الهلاك هو ثمارها فلماذا تُخطيء؟! لماذا تأخذ ناراً في حضنك وأنت تعلم أنَّها ستحرق ثيابك؟! هل تمشى على جمر النار دون أن تكتوي رجلاك؟! أليست النار تتولّد من المادة ثم تعود وتحرق المادة؟! وهكذا الخطية تتولّد من الإنسان ثم تعود فتحرقه.
دعنا نتساءل: ماذا فعلت الخطية بمحبّيها؟ هل إلى الحياة قادتهم؟ كلاَّ، بل إلى الموت سلَّمتهم! فالإنسان الخاطيء هو إنسان ميت، لأنّه انفصل عن مصدر الحياة الحقيقية، رب المجد يسوع الذي قال عن نفسه: " أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ " (يو25:11)، وهل يقدر إنسان انفصل عن الحياة يقول إنه حيّ؟!
إرجع إلى التاريخ القديم لتعرف أنَّ الخطية، كانت السبب فى كل المصائب التي حلّت على العالم، فهى التي أفسدت آدم وتسبّبت في طرده من الجنّة، وجعلت قايين يخرج هائماً على وجهه هارباً من مكان إلى آخر وقلبه مضطرباً، خوفاً أن يحصد ما زرعته يداه لقتله هابيل أخاه.
لولا الخطية ما أغرق الله العالم بماء الطوفان، ولا أنزل ناراً وكبريتاً من السماء لتحرق سدوم وعمورة، ولا سقط شمشون المنذر لله من بطن أُمه، ولا زنى داود رجل الصلاة والمزامير، هى التي جعلت هيروديا تطلب رأس المعمدان، وعندما أحبّها يهوذا أسلم سيده إلى الأثمة، لأنَّه لمَّا اشتهى المال أضاع الحياة، وماذا أعطاه حب المال؟ لم يُعطِه سوى ثلاثين من الفضة ثمن حبل المشنقة!
لقد صيرّتنا الخطية عبيداً بعد أن كنا أحراراً، قيَّدتنا بعد أن كنَّا معتوقين، أفنت شجاعتنا فصرنا نخشى الحيوانات التي كنَّا أسياداً عليها، ملأتنا من كل شهوة ردية، فصرنا مُحبين للخلاعة نلهث وراء اللذة الممنوعة!
إنَّ الخطية سماءً مظلمة بلا نجوم، أرضاً جافة لا تنبت سوى الأشواك، بحراً تبخرت مياهه فصار نبعاً بلا حياة! فلا تخدعك الخطية بحسن جمالها أو عبير رائحتها، فهى كالوردة الجميلة فى البستان، لا يمل أحد من التطلّع إلى جمال منظرها أو تنسم عبيرها، الذي هو ريح مليئة بالسموم، تهب على الأزهار النضرة فتيبّسها! إنّها شجرة مثمرة شراً تحمل ورقاً كثيراً، ولكن فى أوراقها يسكن أولاد الأفاعي والشياطين.
إسأل نفسك بعد كل خطية تسقط فيها: ماذا ربحت وماذا خسرت من خطيتي هذه؟ قد تربح لذة وقتية لكنَّك ستخسر الله اللذة الحقيقية، الذي لذته تفوق كل لذة مهما كانت طيبة! فلا تثق بسعادة تجنيها من الخطية لأنّك بقدر ما تشعر بسعادة تجد أنَّك مشدوداً ومقيداً برباطات كثيرة، وما أصعب فك قيود ورباطات الخطية!
ألم ترَ في حياتك مدمناً؟ ألم تسمع عن لص؟ ألم ترَ كم يُعاني الخطاة من استبداد شهواتهم؟ وكل الذين سعوا إلى الخطية بحثاً عن لذة توهموها، ما أن حققوا شهواتهم حتى شعروا أنَّهم لا يملكون سوى حفنة من الهواء الملوث، تطايرت مع أول ريح صادفتهم!
إنَّ الخطية أشبه بقطعة نسيج خيوطها منسوجة من الملل، والألم، والفراغ..