النسيان: فوائده وأضراره بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

ما أكثر ما يشكو الناس من النسيان، بل يطلبون أيضاً علاجاً للنسيان. حقاً إن للنسيان مساوئ كثيرة. ومع ذلك لكي ننصفه، نقول إن هناك ولا شكَّ فوائد للنسيان.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> فالنسيان ليس كله شر. ولقد سمح اللَّه به من أجل نفع الإنسان وفائدته، ولو أحسن الإنسان استخدامه. فالإنسان الحكيم يعرف متى ينبغي أن يتذكَّر، ومتى ينبغي أن ينسى...




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??من الخطأ طبعاً أن ينسى المرء واجباته الدينية أو واجباته العالمية. ومن الخطأ أن ينسى عهوده ووعوده ونذوره ومواعيده. ومن الخطأ أن ينسى فضل الناس عليه، أو ينسى بالأكثر احسانات اللَّه العديدة إليه.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??ولعلَّ من أخطر أنواع النسيان، أن ينسى الإنسان أصله الترابي. إذ أن اللَّه ـ جلَّ جلاله ـ قد خلق التراب أولاً. ثم خلق الإنسان من هذا التراب. والذي ينسى أصله الترابي، قد يقع في الكبرياء والعجرفة، والإعجاب بالنفس، والتباهي بالمناصب والألقاب. وأتذكَّر أنني قلت عن ذلك في بعض أبيات الشعر:




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> وهكذا فإنني جعلت أمامي هذا الأصل التُّرابي، كأنشودة أغني بها باستمرار. حيث قلت:




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??أمَّا عن فوائد النسيان فلعلنا نذكر في قمته أن ننسى إساءات الناس إلينا. ننساها لكي نستطيع أن نصفح وأن نُسامح ... وننساها لكي لا يملك الغضب على قلوبنا من جهتهم ... وأيضاً لكي نهرب من شيطان الحقد والكراهية.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> الذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يحب الجميع. ويملأ السلام على قلبه من جهة الكل. ويستطيع أن يُقابل كل أحد ببشاشة. ولا يخزن في قلبه شراً من جهة أحد. لذلك إن أساء أحد إليك، لا تحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته إليك. ولا تجلس مع الناس وتُحدِّثهم عمَّا فعله بك ذلك المُسيئ. لا تُفكِّر في هذا الموضوع، ولا تتكلَّم في تفاصيله. لئلا يرسخ كل ذلك في ذاكرتك وفي قلبك ويُتعبك.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??وليس فقط تنسى أخطاء الناس إليك، إنما عليك أن تنسى أخطاءهم بصفة عامة. فإنك لو تذكَّرت على الدوام أخطاء الناس، لأسودت صورتهم في نظرك، وأصبحت تعجز من أن تجد لك في الناس صديقاً ... فكل الناس لهم أخطاء. ولو تذكرنا لكل واحد أخطاءه، لما استطعنا أن نتعامل مع أحد. ورُبَّما يدخل الشكّ إلى قلوبنا من جهة الناس. ورُبَّما لا نستطيع أن نتكلَّم باحترام مع أحد!




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> إذن ليتنا ننسى أخطاء الناس، لكي يُعاملنا اللَّه بالمِثل. وما أجمل قول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس: " إن ذكرنا خطايانا، لا يذكرها لنا اللَّه. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا اللَّه ".




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> إذن أُذكر خطاياك، وإنسَ خطايا غيرك. فإن هذا يقودك إلى الاتضاع، وإلى المحبة. أمَّا الإنسان المُتكبِّر أو غير المُحب، فإنه على العكس: دائماً ينسى نقائصه الخاصة، ودائماً يذكر أخطاء غيره، وقد يتحدَّث عن خطايا الناس. بينما يتضايق إن تحدَّث الناس عن خطاياه!




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??لذلك فإنه من النسيان النافع، أن تنسى فضائلك. أو تنسى الأعمال الحسنة التي شاءت نعمة اللَّه أن تعملها على يديك .. فإن عملت خيراً، أو إن عمل اللَّه خيراً بواسطتك، فالواجب عليك أن تنسى ما عملته. لا تذكره ولا تتذكره. لئلا يوقعك هذا الأمر في الإعجاب بالنفس أو في الكبرياء. وأيضاً لكي لا تجلب لنفسك مديحاً من الناس، قد تضيِّع معه بعض أجرك في السماء. وتُقال لك تلك العبارة الخطيرة: " قد استوفيت خيراتك على الأرض!! ".




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> إن الذي يعمل خيراً، ليس عليه فقط أن يعمله في الخفاء على قدر الإمكان، حيث لا يراه الناس ... إنما الأفضل أن يخفى الأمر حتى عن نفسه بالنسيان. حسبما قال السيد المسيح لِمَن يعمل صدقة: " لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك ... واللَّه الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانية ".




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> حقاً إن الإنسان الذي يحاول أن يُظهِر فضائله، أو يتحدَّث عنها، ما أسهل أن يقع في الغرور ورُبَّما يفقد ثوابه ... فإن لم تستطع أن تنسى الخير الذي تعمله، وإن ألح عليك الفكر في تذكاره ... فإنسب ذلك إلى نعمة اللَّه وعمله وليس إلى نفسك.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??ومن فضائل النسيان أيضاً، أن ننسى المتاعب والضيقات ... فأحياناً يكون التفكير في الضيقة، هو أشد إيلاماً وضرراً من الضيقة ذاتها. لذلك اجعل الضيقات خارج نفسك لا داخلها. لا تسمح لها بالدخول إلى فكرك أو إلى قلبك لئلا تتعبك. حاول أن تنساها. وإن ألحَّ عليك الفكر ولم تستطع أن تنسى، حاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس، لكي تنسى ... على قدر إمكانك حاول أن تنسى المتاعب والهموم، لأن تذكُّرها قد يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضاً أخرى.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??من فوائد النسيان أيضاً، أن ينسى الإنسان المعثرات التي تجلب الخطية. وقد يقرأ شاب قصة بذيئة، أو يرى منظراً خليعاً، أو يسمع كلاماً مثيراً ... وإن لم ينسَ كل هذا، تظل هذه الأمور حرب على فكره تضيع نقاء قلبه، فمن الخير له أن ينسى ... حاول إذن أن تنسى كل ما يُعكِّر نقاء قلبك.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly">??من فوائد النسيان أيضاً أن ننسى التافهات. لكي تبقى في الذهن فقط الأمور الهامة النافعة. فلو ذكر الشخص كل ما يمر عليه في يومه أو طوال الأسبوع من أمور تافهة تختص بالأكل والشُرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق وأيضاً كل القراءات والحديث ... فإن طاقة هذا الإنسان لا تحتمل أن تخزن ما يلزمه من المعلومات الأساسية.




<P class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; LINE-HEIGHT: 25.5pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: 28.35pt; mso-line-height-rule: exactly"> إذن إن النسيان هو عملية غربلة حيوية، تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعارف والمعلومات والمناظر والسماعات. فتستبقي منها النافع وتترك ما لا يفيد وتنساه.