رسولنا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، لكن بعض أتباعه، وهم قلة، أصبحوا بلاءً ونقمة على المسلمين والعالم أجمعين.
فتح الغرب أبوابه للمهاجرين المسلمين الأول منذ بواكير القرن الماضي، فعاشوا هناك ينعمون بكل الحقوق والحريات، لهم مساجدهم ومراكزهم يدعون إلى الله على بصيرة، لا يتعرض لهم أحد بسوء لا لدينهم ولا لقرآنهم ولا لنبيهم، عاشوا مكرمين يساهمون في تنمية تلك المجتمعات التي آوتهم، وقدمت لهم فرص الحياة والحياة الكريمة من غير أي تنغيص حتى جاءت أم الفواجع، اعتداءات سبمتبر التي ضربت أميركا في عقر دارها، وتلتها تفجيرات 11 مارس في مدريد فتفجيرات لندن 7 يوليو 2005.
وكانت هجمات 11/9 بتخطيط خلية هامبورغ من طلاب عرب يدرسون في جامعتها، وتوالت المخططات العدوانية وشملت أسماء من مختلف الأصول والجنسيات تجمعهم “ثقافة كراهية الغرب”، منهم المحرض كبكري وأبي قتادة، ومنهم المنفذ كعبدالمطلب النيجري الطالب في أرقى جامعات لندن، حيث حاول أن يفجر نفسه والركاب معه في الطائرة فوق ديترويت صبيحة الميلاد لولا لطف الله تعالى ويقظة الركاب، والعراقي المهاجر صغيراً إلى السويد التي منحته الجنسية وابتعثته لاستكمال تعليمه إلى مدينة لوتن البريطانية فتعرف على دعاة الكراهية ليعود إلى استوكهولم حاملاً حقيبة متفجرات قاصداً قتل أكبر عدد من البشر في يوم عيدهم، فلم يفلح وفجر نفسه.
والطالبة الباكستانية في جامعة كنغزكولج التي طعنت نائباً بريطانياً لأنه صوت لمصلحة غزو العراق 2003، والباكستاني شاهزاد الذي حاول تفجير تايمزسكوير ولم يفلح، والجزائري انتحاري تولوز الذي منحته فرنسا الجنسية والعيش الكريم، فلم يقدّر يد الجميل فعمد إلى إزهاق 7 أنفس بريئة منهم 3 أطفال، وقال: لست آسفاً إلا لأني لم أقتل عدداً أكبر! والقائمة طويلة ولا تقتصر على المهاجرين المسلمين بل تشمل بعض من اعتنق الإسلام من الغربيين، منهم الأميركية التي سمت نفسها جهاد جاين والتي جندت إرهابيين في أوروبا وآسيا، والبلجيكية الحسناء موريل ديغوك التي تزوجت أصولياً مغربياً وذهبت إلى العراق وفجرت نفسها في قافلة أميركية، والألمانية آبي طالبة الطب التي تزوجت مسلماً وودعت والديها بحجة زيارة مكة لكنها التحقت مع زوجها بجماعات “القاعدة”.
وفي تقرير لمدير الاستخبارات الفرنسية أن واحداً من كل 4 يعتنقون الإسلام ينخرط في صفوف التطرف الإسلامي! كان من أبرز نتائج هذه التحولات:
1- أن المجتمعات الغربية بعد أن كانت ترحب بالمسلمين المهاجرين أصبحت تتوجس منهم ولسان حالها: فتحنا بلادنا لهم ودعاتهم لنشر الإسلام، وسمحنا بالمراكز والمساجد والمدارس، وأعطيناهم كامل حرياتهم وحقوقهم ومنحناهم حق اللجوء والجنسية والمعيشة الكريمة، فكانت العاقبة أن الأجيال الجديدة منهم انقلبت علينا، وشنت الهجمات ضدنا ونشروا الكراهية، فهل هذا جزاء الإحسان؟!
2- تغير المزاج الشعبي العام لمصلحة تيار اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين عامة وللمسلمين خاصة، وهو تيار انتعش وتصاعد صعوداً سريعاً بعد أن كان هامشياً، وبدأ يحقق انتشاراً واسعاً، ويكسب أصواتاً انتخابية أوصلته إلى البرلمانات ومناصب السلطة، استغل هذا التيار الذعر الأوروبي من التطرف الإسلامي ولعب على وتر العواطف القومية بالتحذير من الخطر الإسلامي الذي يهدد أوروبا في قيمها وثقافتها وأسلوب حياتها.
صوروا المسلم عدواً يتربص بالمجتمع الأوروبي الذي استضافه، وأنه يتحين الفرص لفرض ثقافته وأسلوبه، كما يهدد المواطن الأوروبي في فرص عمله، ويمتص مدخراته بما يصرف عليه من معونات مادية.
صوروا المسلمين خطراً استراتيجياً على مستقبل أوروبا بسبب تزايد أعداد المهاجرين، وارتفاع مواليدهم مقارنة بتناقص مواليد الأوروبيين؛ مما دفع مسؤولاً في الفاتيكان لحث المسيحيين على الإنجاب وإلا أصبحت أوروبا مسلمة، وأصدر السياسي الاقتصادي الألماني ساراتزين كتاب “ألمانيا تلغي نفسها” حذر فيه من ازدياد المهاجرين الأتراك والعرب، وازدياد عدد مواليدهم، وقال: إذا لم يتم تدارك الأمر فإن ألمانيا ستتحول إلى دولة إسلامية خلال مئة سنة! ومع أن المسلمين لا يشكلون إلا 10% حالياً في أوروبا إلا أن الهوس الجنوني بلغ بسفاح أوسلو وهو شاب مسيحي نرويجي متطرف أن يرتكب مجزرة ذهب ضحيتها 76 من شبيبة النرويج انتقاماً من حكومته لتسامحها مع هجرة المسلمين إلى بلاده، وبررها بأنه يريد حماية بلاده وأوروبا من الغزو الإسلامي، وهو نفس التبرير الذي يتذرع به المفجرون عندنا عندما يعللون عملياتهم بأنها جهاد لاسترداد كرامة الأمة وحمايتها، إنه يريد طرد المسلمين من أوروبا كما يريد هؤلاء الذين يستهدفون الأقليات الدينية عندنا وينادون بإخراج المشركين من جزيرة العرب، إنه فكر الكراهية يجمع بين النقيضين!
3- إن الحكومات الغربية بعد أن كانت تتبع سياسات متسامحة مع المهاجرين أصبحت اليوم تفرض الكثير من القيود، كما تشددت في إجراءات منح الجنسية، واتخذت إجراءات لطرد أئمة التحريض ومنع دخول من تعتبرهم محرضين، ولطالما كانت لندن عاصمة لزعماء الأصوليين ووصفت “بلندنستان”، يسرحون فيها ويمرحون من غير حسيب، وتغيرت الأحوال وانتهت اللعبة الطويلة التي بدأت قبل عقدين من استضافة العاصمة البريطانية للأصوليين باعتبارها قلعة التسامح العالمي، لقد انقلب السحر على الساحر!
أخيراً صرح كاميرون: التعددية الثقافية فشلت في بريطانيا، ونحن بحاجة إلى تسامح أقل، وفي ألمانيا تصرح ميركل بفشل التعددية الثقافية!
4- تصاعد مشاعر الكراهية للأجانب لا بسبب العنف والإرهاب فحسب، ولكن كما يقول خالد القشطيني بسبب السلوك “فنحن جئنا من عالم معتاد على الفوضى وتجاهل النظام والقانون، وبتصرفنا هكذا نزعج مضيفينا ونثيرهم ضدنا، أنا شخصياً احتجت لسنوات طويلة لأتأقلم على سلوك الغربيين، ومازلت أقع في كثير من الإساءات حتى أصبحت أشارك القوم في انزعاجهم من سلوكياتنا”.
5- وأخيراً فإن النتيجة الأخطر والتي تتطلب وقفة مراجعة جادة من مؤسساتنا المعنية بالدعوة الإسلامية ومنظماتنا الإسلامية الدولية هي: ما مستقبل الإسلام في ديار الغرب في ضوء هذه الأجواء المعادية؟!
اليمين الأوروبي المتطرف نجح في إثارة مشاعر الكراهية للإسلام والمسلمين، بل لكل ما هو إسلامي، وقد طالبت ماري لوبن مرشحة اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة الفرنسية بحل اتحاد المنظمات الإسلامية، وهناك مطالبات بتشديد قوانين الجنسية ومنع الهجرة بحجة “أن المتطرفين المسلمين استغلوا حسن المعاملة والضيافة لشن حرب مقدسة ضدنا”.
الآن في مثل هذه الأجواء غير الإيجابية: ما مسؤولية المنظمات الإسلامية في أوروبا والعالم الإسلامي عن هذه النتائج المعوقة لانتشار الإسلام؟! بطبيعة الحال لن يفيدنا لوم الآخر وتحميله المسؤولية كما لن ينفعنا أن نكرر القول إن الإرهاب لا دين له، بينما الواقع الذي يعيشه الغربي يؤكد له كل يوم أن معظم من يقوم بالعنف هم مسلمون ويقومون به باسم الإسلام!
كما لن يغنينا تكرار مقولة “الإسلام فوبيا” لتفسير ما يحصل على الساحة الغربية، لأن السؤال: لماذا أصبح الغربي متوجساً من الإسلام بعد أن كان مرحباً به؟ وما نصيبنا من المسؤولية في ذلك؟ السؤال الذي يشكل تحدياً لمؤسساتنا الدينية والتعليمية والإعلامية: لماذا يكسب خطاب التطرف أنصاراً مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل معتقدهم في الوقت الذي لا يثمر خطاب الاعتدال والوسطية شيئاً نافعاً؟! لماذا لم نستطع حتى اليوم تقديم خطاب تصالحي مع العالم يبرز قيم الرحمة والعدل والتسامح الإسلامي ويجسدها سلوكاً عاماً للمسلمين هناك؟!
* كاتب قطري
[color:cc72=#f00]