الرئيسية آراء حرة
بواسطة د. يحيى الجمل
هل يكون الاستئثار بكل شىء هو نهاية كل شىء؟ علاقتى بجماعة الإخوان المسلمين قديمة ترجع إلى بدايات الشباب الباكر وأنا مازلت فى مرحلة الدراسة الثانوية، حيث كان أخى عضواً من أعضاء الجماعة وكان قريباً من المرحوم المؤسس الأستاذ المرشد حسن البنا وكان يصطحبنى معه أحياناً إلى دروس الثلاثاء فى المركز العام فى المنيرة. وكنت أحياناً أخرى أذهب مع المرحوم الأستاذ الدكتور محمد صبحى عبدالحكيم- الذى صار بعد ذلك نائباً لرئيس جامعة القاهرة ورئيساً لمجلس الشورى- كنت أذهب معه إلى شعبة الجماعة فى شبرا بالقرب من جامع الخازندار. مع ذلك فإننى لم أكن يوماً عضواً فى جماعة الإخوان. كنت فى مرحلة الشباب هذه وما بعدها عضواً فى الحزب الوطنى «الوطنى» على حد تعبير أستاذنا فتحى رضوان رحمه الله فى تمييزه بين الحزب الوطنى «الوطنى» والحزب الوطنى «المزيف». فى مرحلة من المراحل كانت جماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطنى «الأصلى» فى نهاية الأربعينيات وأوائل الخمسينيات قريبين من بعضهما فى حركتهما السياسية رغم اختلاف الأهداف فى النهاية لكل منهما.
وأذكر أن تيار الإخوان فى الجامعة كان وراء نجاحى فى انتخابات اتحاد الطلبة- وكنت يومها فى الحزب الوطنى مرشحاً باسمه.. «كانت أيام».
الذى أريد أن أقوله إن علاقتى بالإخوان المسلمين قديمة ووثيقة وإنه ليس بينى وبين كثير من قياداتهم إلا كل علاقة حسنة ومودة قديمة، ومن ثم فلن أكون فى حكمى على بعض تصرفاتهم متجانفاً لإثم أو منحرفاً مع الهوى. إنما هو رأى موضوعى فيما أعتقده من أجل مصر ومن أجل مستقبل مصر ومن أجل هذه السفينة- مصر- التى إذا غرقت غرقنا معها أجمعين.
حصل الإخوان والتيار السلفى على غالبية مقاعد مجلسى الشعب والشورى فى انتخابات كانت إجراءاتها سليمة، وبذلك استأثروا بالسلطة التشريعية.
وجاء الدور على الجمعية التأسيسية التى نصت عليها المادة الستون من الإعلان الدستورى والتى يفترض أن تضع مشروع دستور لمصر يعيش معها لعدة عقود ويعبر عن توافق بين أطيافها وأديانها واتجاهاتها وأجيالها ورجالها ونسائها- يعبر عن مكنون مصر وآمال مصر ويقيم دولة ديمقراطية حديثة يعيش فيها المواطنون جميعاً مهما اختلفت دياناتهم وانتماءاتهم متساوين فى الحقوق والواجبات بغير تمييز. وهذه هى ما تسمى فى العلوم السياسية «الدولة الحديثة»، ولكن يبدو أن كلمة الدولة الحديثة وأكثر منها وأشد رفضاً الدولة العلمانية مع أن كلا المعنيين ليس فيه تعارض مع صحيح الدين ولكن ما علينا لنترك المدنية والعلمانية ولنقل دولة ديمقراطية حديثة وفقاً لما ذكرته وثيقة الأزهر التى وافقت عليها كل الاتجاهات فى هذا البلد فى اجتماعات حضرها رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس مجلس الشعب والأمين العام وحضرها كل رؤساء الأحزاب القائمة وعدد من الشخصيات العامة وكلهم وافق عليها وكان سعيداً بها.
وكان مقتضى ذلك أن يعكس تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع مشروع الدستور هذا التوافق الواسع ولكن المجموعة البرلمانية التى شكلت اللجنة رأت غير ذلك.
رأت أن منطق الاستئثار بكل شىء وإقصاء الآخرين جميعاً عن كل شىء هو المنطق المناسب اقتداء بالسيد أحمد عز وسياساته التى ساهمت فى تفجير ثورة ٢٥ يناير.
وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين مراراً وتكراراً أنهم لن يرشحوا أحداً لرئاسة الجمهورية، وتكرر ذلك أكثر من مرة حتى صدقه الناس وإذا بهم فجأة يرشحون واحداً من أكبر قياداتهم ومن أكبر رجال الأعمال هو المهندس خيرت الشاطر- نائب المرشد العام- لرئاسة الجمهورية، وكان ذلك صدمة حقيقية للرأى العام المصرى كله.
وفى تعليق على هذا القرار صرح أحد قيادات الجماعة الدكتور محمد البلتاجى، وهو صديق عزيز ورجل شديد الاعتدال، وقد كان من أول من قابلته فى ميدان التحرير يوم ٢٥ يناير والأيام التالية له، وكان معنا عضواً مؤسساً فى الجبهة الوطنية للتغيير- صرح الدكتور البلتاجى كما نشر فى «المصرى اليوم» يوم ٤ أبريل «قلت لإخوانى فى اجتماع الهيئة العليا للحزب قبل أن أصوت برفض القرار إنه من الظلم للوطن وللإخوان أن يتحملوا وحدهم مسؤولية الوطن كاملة فى تلك الظروف الحرجة من مجلسى الشعب والشورى إلى الجمعية التأسيسية للدستور وحتى الحكومة والرئاسة» هذا ما نشر على لسان الدكتور البلتاجى على عهدة ناشره. وهو كلام صحيح وسليم وفيه إحساس عميق بالمسؤولية.
أما وقد حدث ما حدث من استكبار واستئثار فإن المراقب الموضوعى لاتجاهات الرأى العام المصرى يدرك بوضوح مدى انحسار التأييد للإخوان المسلمين وللتيارات السلفية عموماً بل مدى الخوف منهم والتشكيك فى نواياهم.
وقد يرى البعض وقد أكون منهم أن سياسة الاستئثار والإقصاء التى ارتكبها الحزب الوطنى كانت أحد أسباب ثورة شباب مصر. وإذا كانت الأسباب المتشابهة تنتج نتائج متشابهة فهل يعنى هذا أن تصرفات الإخوان الأخيرة تنذر بثورة شعبية جديدة؟!
كل ما أرجوه أن يستر الله على مصر وشعب مصر وأن يحميها من كل سوء.
والله المستعان
عن المصري اليوم