تحت عنوان "وداعاً دستور مصر" نظمت جمعية نهوض وتنمية المرأة ورشتيّ عمل للإعلاميين والإعلاميات يوميّ الثلاثاء والأربعاء الماضيين الموافق 11، 12 ديسمبر الجاري ، التى تهدف إستعراض طبيعة الدستور الذي سيصوت عليه المصريون، وعرض ما فيه من نقاط قوة وضعف حتى يكون قرار المواطن المصري بناءاً على فهم ودراية وليس تلقيناً من أحد، وحتى يدرك المواطن ما سيعود عليه إذا قام بالتصويت بنعم أو لا على الدستور.
شارك في الورشة مجموعة من فقهاء القانون والسياسيين والخبراء في مجالات المجتمع المدني والإعلام والشريعة، وذلك لشرح وتوضيح مقترح دستور مصر، وهم: د.إيمان بيبرس –رئيسة مجلسة إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، و د.عبد الله المغازي- أستاذ القانون الدستوري، و الكاتبة الصحفية أ.كريمة كمال، بالإضافة إلى د.سعد الدين إبراهيم- أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، و د.رشدي شحاتة- أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق/جامعة حلوان، وأيضاً أ.ميرفت أبو تيج –المحامية بالنقض ورئيسة جمعية أمي للحقوق والتنمية. حيث تمتمناقشة المواد المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، و حرية الإعلام، وحقوق الإنسان، إلى جانب تلك الخاصة بدور الأزهر ومرجعية الدولة وتفسير مصادر الشريعة الإسلامية، والمواد التي تتحكم في المجتمع والأسرة المصرية.
بدأت الفعاليات بالوقوف دقيقة حداداً على أرواح شهداء مصر البواسل الذين قُتلوا أثناء حمايتهم لحدود الوطن في سيناء، في الوقت الذي كان الشغل الشاغل لمَن يتولوا السلطة هو الإنتهاء من صياغة الدستور في الوقت المحدد بغض النظر عن أي شيء آخر ، حيث أكدت الدكتورة إيمان بيبرس أن الدستور الجديد يقلل من مكاسب الثورة ولا يعبر عن كل المصريين، كما أنه ينتقص من كل الإنجازات التي قامت بها المرأة المصرية في المجتمع وقصر دورها في مهمتها الإنجابية فقط. موضحة اننا لسنا ضد الشريعة الإسلامية بالعكس مبادئ الشريعة الإسلامية جميلة ومصر لكل المصريين ومصر بلد الرجل والمرأة . كما ذكرت أن ورشتيّ العمل تعدا جزءاً من الحملة التي تعمل عليها الجمعية في 5 محافظات مع أكثر من 70 جمعية للتوعية المواطنين بالدستور وخاصة المواد التي عليها خلاف وأيضا المواد التي تضر بالمرأة والحرية والديمقراطية.
تناول الدكتور عبد الله المغازي المواد الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية، موضحا أن هذا الدستور أعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات كبيرة ومن ضمنها تعيين الأجهزة الرقابية المستقلة، وهذا أمر مرفوض لأن الأجهزة الرقابية المستقلة لا يتأتى إستقلالها إلا من خلال إستقلالها عن الرئيس، وبالنسبة للمادة رقم 127 أوضح أن هذه المادة تعد تعدي على السلطة التشريعية فليس من حق رئيس الجمهورية أن يحل مجلس الشعب وهو أمر يجعل مجلس الشعب تحت سلطة الرئيس على الرغم من أن مجلس الشعب هو الذي يراقب أداء السلطة التنفيذية بما فيها رئيس الجمهورية .
واكد المغازى أن هذا الدستور بَين أننا نسير على نفس خطى التفكير القديم بنسبة 90%، وأنه توجد إشكالية كبيرة في صياغة المواد حيث أنها مصاغة بطريقة القرارات والقوانين كما أنه يفتقر إلى فن الصياغة حيث أن مستواها كان متدني للغاية. ثم انتقل إلى الحديث حول المواد الخاصة بحقوق الإنسان فبدأ بمناقشة المادة الخاصة بمبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. حيث أبدى إعتراضه على هذه المادة حيث أوضح أن هذه المادة أضرت كثيراً بالمسيحيين، وأهدرت كامل حقوقهم في الاحتكام لشرائعهم. كما أبدى تخوفه الشديد بالنسبة للمرأة نتيجة لوجود المادة رقم 33 ، حيث تعتبر من أخطر المواد على المرأة، والتي تنص على أن المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك.حيث لم توجد كلمة "الجنس" مما يقع بالخوف الكبير على المرأة ، ولو حصل الإخوان على مقاليد الحكم لن تستطيع المرأة أن تكون وزيرة مثلاً أو أن تتقلد أى منصب على حد قوله، فهذه المادة لم تبين أي حق فتعتبر هذا المادة جملة إنشائية، حيث لا توجد حرية أو ضمانات بدون آليات للمعاقبة .
واعرب الدكتور/ سعد الدين إبراهيم -أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية عن قلقه فيما يخص المواد الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية - إزاء إمكانية عدم إحتواء الدستور على ما يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، متسائلاً عن سبب إقحام الشريعة في عدد كبير من مواد الدستور رغم وجودها في المادة الثانية ، كما أن الدستور لم يخفض سلطات رئيس الجمهورية حيث يُعيّن الرئيس كل رؤساء الأجهزة الرقابية في الدولة وقال أنه علينا أن يصدر صيحة "لا " لهذه الوثيقة.
وركزت الأستاذة كريمة كمال ، على المواد الخاصة بحرية الإعلام ، حيث ضحت أن المواد الخاصة بحرية الإعلام بها عوار كبير، مؤكدة أن وجود صحافة حرة قادرة على قول الحقيقة حق للمواطن قبل أن يكون حق للصحفي، وذكرت أن هناك ضغط كبير على المؤسسات الإعلامية المختلفة مما أدى إلى العديد من الإضرابات. ومن بين المواد التي تناولتها في النقاش المادة رقم 215 الخاصة بتولي المجلس الوطني للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، حيث أوضحت أن المادة لم تحدد مما يتكون المجلس الوطني للإعلام
وحدود عمله، كما لم تفسر المادة ما المقصود بتنظيم الصحافة المطبوعة وما هي غيرها ، والأسوأ أن هذا المجلس سيكون المسئول عن وضع الضوابط والمعايير التي تراعي قيم المجتمع وتقاليده -غير المعرفة دستورياً في الأساس- وهو ما يعني أن هذا المجلس سيكون الرقيب على الصحافة ويصبح من حقه مصادرتها وإغلاقها لعدم التزامها بتقاليد المجتمع، وهي أيضاً مادة تشكل خطراً على حرية الإعلام بل هي مادة تسلب حرية الإعلام. كما أن هذه المادة ترسخ لمبدأ بقاء المؤسسات الصحفية التابعة للدولة، بالرغم من عدم وجود هذا المبدأ في أغلب دول العالم. وأشارت إلى أنه كان من المفترض أن يتم إلغاء فكرة المؤسسات التابعة للدولة وأن تكون مملوكة للعاملين ويتم إختيار رئيس لها من العاملين . ووضحت كمال أن كارثة هذا الدستور أنه تمت صياغته لخدمة فئة معينة وحزب معين للسيطرة، وأنه يعتبر وثيقة تمكنهم من إحتلال مصر وإختطافها، وأن دستور 71 كان به ضمانات أكثر للعمل الصحفي والصحفيين.
أما الدكتور/ رشدي شحاتة -أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق/جامعة حلوان- فقد تحدث عن المواد التي تحدد دور الأزهر ومرجعية الدولة وتفسير مصادر الشريعة الإسلامية حيث وضح وجود تعارض ما بين المادتين 2 و219؛ نظراً لأن الشريعة الإسلامية حتى تكون عالمية تضمنت من المرونة ما يتسع لأحكام الأقليات وفقه الموازنات والأولويات في العالم. مشيراً إلى أن العظمة أن الشريعة الإسلامية عندما جاءت كمنهج من رب العالمين نزلت أحكامها عامة، وتُرك أمر التفاصيل للسنة النبوية الشريفة في فترة البعثة النبوية على مدار 23 سنة، ثم للخلفاء الراشدين في الفترة من 10 لـ 40 هجرية، ثم باب الاجتهاد وظهور الفقهاء في عصر الأئمة. مضيفاً أن أكبر دليل على أن أحكام الشريعة عامة أحكام الصلاة نفسها لم يأتِ في القرآن الكريم سوى "أقيموا الصلاة" ولكن السنة النبوية هي التي أوضحت عدد الصلوات وكيفية أدائها وعدد ركعاتها وغيرها من التفاصيل المتعلقة بالصلاة ، ولم يأتِ في القرآن الكريم مُفصل سوى الميراث وبعض أحكام الأحوال الشخصية. قائلاً أنه من الأهداف والمبادئ والمقاصد التي لابد أن يعيها أي واحد يتعرض لأحكام الشريعة الإسلامية رعاية مصالح الناس جميعاً في كل زمان وفي كل مكان، ومن ثم يتغير الحكم وتتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والشخص ، موضحا أنه يمكن أن تتلاءم فتوى مع أهل منطقة ولا تتلاءم وأهالي منطقة أخرى وهكذا.
تحدثت الأستاذة/ ميرفت أبو تيج عن وجود عوار بهذا الدستور الجديد من كافة الوجوه في الفهم للشريعة الإسلامية
والفهم لكيف تكون الدساتير والأصول القانونية والفقهية التي يجب أن يشملها هذا الدستور، لأن بنية هذا الدستور قائمة على التمييز وعدم المساواة وتُقوِض المجتمع المصري. وركزت في كلمتها على المواد التي تتحكم في المجتمع والأسرة المصرية، ومن ضمنها المادة 10 التي تنص على أن تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها ، حيث قالت أن هذه المادة تفرد مجالاً لظهور جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث يتواجد رجال مهمتهم تفحُّص النساء ليعطيها أمر بتغطية أجزاء من جسدها، حيث تعطي المادة الحق للجماعات داخل المجتمع لكي تقوِّم المجتمع في ظل وجود فكر وافد على المجتمع المصري منذ منتصف السبعينيات، وأبدت تخوفها من تحول المجتمع المصري من مجتمع يُصدِّر النهضة والفكر في إطار فهم الدين والعلم والعلماء إلى مجتمع سيذكره التاريخ بأسؤأ الألفاظ إذا لم نقف وقفة واحدة.
كما تحدثت عن إطاحة بعض المواد بقيم المساواة بين المرأة والرجل في كافة المجالات، وبكافة المكتسبات التي حصلت عليها المرأة المصرية بعد نضال ، وأنهت حديثها قائلة: "الخناقة في لأ ونعم مش خناقة شريعة ، دي خناقة حقوق ، .خناقة مخالفة للشريعة فيما يتعلق بحد الكفاف المرتبط بالناس والذي لابد على وليّ الأمر أن يوفره، وهذا الدستور لا يُلزِم وليّ الأمر بتوفيره