محبة الله للناس
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
17 مايو 2009
تحدثنا في المقالات السابقة عن المحبة بصفة عامة,ثم عن محبة الله لنا,ثم عن محبتنا نحن لله.وبقي أن نتحدث عن محبتنا للناس
عندما تحدث الرب عن الوصية العظمي,أعني المحبة,ذكر أنها تشمل فضيلتين هامتين:الأولي أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك...ثم قالوالثانية مثلها:تحب قريبك كنفسك.بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياءمت32:36-40وأود هنا أن أترك عبارة والثانية مثلهامجالا لتأملك الخاص.وأتحدث معك عن محبة القريب.
ومحبة القريب,هي محبة لكل الناس.لأن البشر كلهم أقرباؤك.كلهم أبناء آدم حواء.
لقد خلق الله العالم كله من أب واحد وأم واحدة,ليكونوا جميعا أسرة واحدة,تربطهم رابطة الدم,وبالتالي رابطة الحب.وحتي هذه الأم الواحدة,أخذها من أحد أضلاع الرجل الأول,لكيما يحبها ويقولهذه الآن عظم من عظامي ,ولحم من لحميتك2:23.
لهذا كله كان عدم الحب بين البشر أمرا غير طبيعي .وهو في نفس الوقت لايتفق مع الصالح العام,كما لايتفق مع مشيئة الله.
والعجيب أن أول إيذاء حدثنا عنه الكتاب المقدس,كان من إنسان ضد إنسان,ولم يكن من وحش افترس إنسانا!!لقد قام قايين علي هابيل أخيه وقتله,وبدأت البغضة والقسوة بين الناس.ولم تستطع البشرية أن تحتفظ بالحب بين أفراد الأسرة الواحدة فيوسف الصديق,قام عليه إخوته وألقوه في البئر ثم باعوه كعبدتك37:27.ودبت الغيرة ودب التنافس بين ليئة واختها راحيل حول إنجاب البنين تك30:8وعيسو نافس أخاه يعقوب علي نوال البركة.وقال أقتل يعقوب أخيتك27:41وأبشالوم قام علي أبيه داود وحاربه2صم15.
وتتابعت مأساة فقدان الحب في تاريخ البشرية:
وكثرت قصص العداوة والبغضاء,وقصص الحسد وتصادم الأغراض,والنزاعات والحروب,والتنافس علي الرزق وعلي السلطة والمناصب..واكتست الأرض بدماء بريئة ودماء غير بريئة وأصبح الأخ يعتدي علي أخيه,والأخ يخاف أخاه حتي قال أحد الشعراء:
عوي الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوي
وصوت إنسان,فكدت أطير.
وكان لابد من وصايا إلهية لتعالج الحال...
وكان لابد من إعادة المحبة بين الناس,وتقديم القدوة في ذلك,ومعالجة الأسباب التي أوصلت البشرية إلي التخاصم والعداوة والقسوة.مع العمل علي ترميم بناء المحبة المنهدم.فتدخل الله لوضع أسس قوية للتعامل بين الناس.
واستلزم الإصلاح أساسين:أحدهما إيجابي,والآخر سلبي:
أما الأساس الإيجابي,فهو مشاعر الود والتعاطف والتعاون.وأما العنصر السلبي فهو الكف عن الكراهية والاعتداء.لأن الكراهية هي المشاعر الكامنة داخل القلب.
والاعتداء هو التعبير الظاهر عن تلك المشاعر الداخلية والمطلوب هو الارتقاء بكل مشاعر الإنسان,للوصول بها إلي مستوي الحب.
والحب هو القمة التي تصل إليها المشاعر البشرية:
والله في يوم الدينونة العظيم,سيفحص كل أعمالنا وعواطفنا ,ويستخلص ما فيها من حب,ليكافئنا عليه.وكل خير نفعله ,ولا يكون فيه حب,لايعتبره الله خيرا علي الإطلاق.علي أن لهذا الحب قواعد ينبغي أن نعرفها ,لكيما يكون حبنا سليما ومقبولا.
فأولا ينبغي أن تكون محبتنا للناس داخلا محبتنا لله.لاتكون ضدها ,ولا تزيد عليها...
فلا تحب أحدا عن طريق كسر وصية من وصايا الله فالأم التي تحب أبنها بأن تدلله تدليلا يفسده,أو أن تغطي علي أخطائه بحيث لايعرفها أبوه,لاتكون محبتها حقيقية ولا نافعة.بل لانسميها حبا وإنما تدليلا. والصديق الذي يحب صديقه,بحيث يجامله في كل خطأ,ويخشي أن يقدم له نصيحة مخلصة لئلا يجرح شعوره..هذا لايحبه بالحقيقة...لذلك أيضا فالأب الذي يحب ابنه يؤدبهعب12:6.
وقد قال الرب من أحب أبا أو أما أكثر مني,فلا يستحقني.ومن أحب أبنا أو ابنة أكثر مني,فلا يستحقني..مت10:37.
شرط آخر,هو أن يكون الحب عمليا:
ويقول القديس يوحنا الرسول في هذا يا أولادي لانحب بالكلام ولا باللسان,بل بالعمل والحق1يو3:18وهكذا قال عن محبتنا لله:هذه هي محبة الله,أن نحفظ وصاياه1يو5:3
كذلك محبتنا للناس تظهر عمليا في معاملاتنا لهم.في إخلاصنا لهم,ومشاركتنا الوجدانية,ووقوفنا معهم في وقت الشدة,وتخليصنا لهم من ضيقاتهم.ومحبتنا للفقراء تظهر في عطفنا عليهم,وإعطائهم ما يلزمهم,وليست بمجرد كلام العطف أو الدعاء...
وهكذا ارتبط الحب عموما بالعطاء والبذل.
وقيل عن محبة الله لناهكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد ,لكي لايهلك كل من يؤمن به,بل تكون له الحياة الأبديةيو3:16
بنفس الوضع ينبغي أن نحب بعضنا البعض,حبا باذلا .ويصل البذل إلي قمته ببذل الذات .وبالعطاء من الأعوازمز12:44وبالاستعداد للتضحية والفداء.كما قال القديس بولس الرسول عن أكيلا كلااللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي1:4
شروط المحبة أيضا أن تكون طاهرة.
فليست محبة حقيقية,أن شابا يحب فتاة لكي يفسد عفتها,ويضيع أبديتها,ويفقدها سمعتها في المجتمع الذي تعيش فيه..!مثل هذا الشاب إنما يهتم بنفسه وإشباع شهواته,ولايهتم بالفتاة وصالحها وأبديتها.. وقد قلت من قبل في الفارق بين المحبة والشهوةإن المحبة تريد دائما أن تعطي بينما الشهوة تريد دائما أن تأخذ...
ومن شروط المحبة الحقيقية أن تكون للجميع ..وإلا صارت تحيزا أو لونا من القبلية...
هي محبة للكل,لا تفضيل بسبب الجنس أو اللون أو الدين.محبة بلا تحيز ولا انحياز.إن يعقوب أبا الأباء لما ميز ابنه يوسف عن باقي إخوته,وأعطاه قميصا ملونا,تسبب ذلك في حسدهم له,وجر عليه الكثير من الضيقات.ولما أحب راحيل أكثر من ليئة,تسبب ذلك في تنازع هاتين الشقيقتين وتنافسهما في صراع طويل....
لهذا أيضا ينبغي أن تكون المحبة عادلة,وتكون المكافأة ملتزمة بالحق وبالموضوعية.
ينبغي أن تكون المحبة أيضا صادقة وروحانية:
وكما قال الكتاب المحبة فلتكن بلا رياءرو12:9فالرياء يدل علي إنها ليست حقيقية,وليست محبة صادقة ويدخل في ذلك كل كلام التملق والمديح الكاذب,مثلما قال الشعب لهيرودس إن صوته صوت إله,فضربه ملاك الرب ,فمات أع12:21-23.ومثل ملق الشعب لرحبعام ,بأن خنصره أغلظ من متني إبيه!!فأضاعوا منه الشعب وغالبية المملكة 1مل12:8-16.
ومن جهة الروحانية ,لم تكن محبة إيزابل لزوجها الملك آخاب محبة روحانية ,حينما ساعدته علي تنفيذ رغبته الآثمة في امتلاك حقل نابوت اليزرعيلي باتهامه كذبا وقتله21مما أدي إلي هلاكها وهلاكه كذلك لم تكن محبة أخيتوفل لأبشالوم محبة روحانية حينما أشار عليه مشورة لإهلاك أبيه داود1صم17.
إن الذي يحب شخصا محبة روحانية,يجب أن يسعي باستمرار إلي أبديته وخلاص نفسه,ولايشاركه في خطأ,ولا يوافقه عليه,ولا ينصحه به...
القلب المحب لايعرف البغضة مطلقا.والقلب الذي تسكنه البغضة ,لايسكنه الله.لأن الله محبة.